مجهولا وأعلم أن الأمة طائفتان القائلون بأن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر والقائلون بالعكس فالطائفة الأولى قالوا ليس في الأحاديث ما يوجب أفضلية الفقراء إذ الحديث سهل يحتمل أن يكون خير منه لفضيلة أخرى كالإسلام وحديث حبان ليس فيه ما يدل على فضله عن أفضليته إذ المقصود منه أن يبقى منهم إلى حين فتح البلاد ونالوا من الطيبات خشوا أن يكون قد عجل لهم أجر طاعتهم بما نالوا منها إذ كانوا على نعيم الآخرة أحرص وحديث عمران يحتمل أن يكون إخبارا عن الواقع كما يقول أكثر أهل الدنيا الفقراء وأما تركه صلى الله عليه وسلم الأكل على الخوان فلأنه لم يرض أن يستعمل من الطيبات وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها ثم معارض باستعاذته صلى الله عليه وسلم عن الفقر بقوله تعالى «ترك خيرا» أي مالا وبقوله تعالى «ووجدك عائلا فأغنى» وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في أكمل حالاته وهو موسر بما أفاء الله عليه وبأن الغني وصف للحق والفقر للخلق فأجابت الطائفة بأن السياق يدل على الترجيح للفقراء إذ الترجيح بالإسلام ونحوه لا حاجة له إلى البيان وبأن من لم ينقص من أجره شيء في الدنيا يكون أفضل وأكثر ثوابا عند الله يوم القيامة وبأن الإيماء إلى أن علة دخول الجنة الفقر يشعر بأفضليته وأما حكاية ترك النبي صلى الله عليه وسلم فهي دليل لنا لا علينا إذ معناه أنه اختار الفقر ليكون يوم القيامة ثوابه أكثر وحديث الاستعاذة من الفقر معارض بحديث الاستعاذة من الغني وأما الإتيان فنحن لا ننكر أن المال خير إنما النزاع في الأفضلية لا في الفضل أو المراد بالأغنياء في الآية لثانية غني النفس وأما قصة وفاته فلا نسلم إلا يسار إذ كان ما أفاء الله صدقة وكان درعه رهنا عند يهودي بقليل من الشعير وأما غني الله سبحانه وتعالى فليس بمعنى الذي نحن فيه من البحث (باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم) قوله (أبو نعيم) مصغرًا هو الفضل الكوفي و (عمر بن ذر) بفتح المعجمة وشدة الراء الهمداني، فإن قلت هذا مشكل لأن نصف الحديث يبقى بدون الإسناد ثم أن النصف مبهم أهو الأول أم الآخر قلت اعتمد على ما ذكر في كتاب الأطعمة من طريق يوسف بن على المروزي وهو قريب من نصف هذا الحديث فلعل البخاري أراد بالنصف المذكور بأبي نعيم ما لم يذكره ثمة فيصير الكل مسندا ببعضه بطريق يوسف والبعض الآخر بطريق أبي نعيم قال صاحب التلويح ذكر الحديث في الاستئذان مختصرًا وكان هذا هو النصف