النووي: في هذا التشبيه دليل علي استحباب ضرب الأمثال وإلحاق النظير بالنظير قياسا. قوله (ليبلغ الشاهد) أي الحاضر في المجلس الغائب عنه وهو علي صيغة الأمر فالغين مكسورة وظاهر الأمر الوجوب فعلم منه أن التبليغ واجب والمراد منه إما تبليغ المذكور وهو أن دماءكم إلي آخره وإما تبليغ جميع أحكام الشريعة والغائب مفعول ليبلغ والظاهر أن إلي فيه مقدر أي إلي الغائب. قوله (منه) صلة لأفعال التفضيل. فإن قلت صلته كالمضاف إليه فكيف جاز الفصل بينهما بلفظ له، قلت جاز لأن في الظرف سعة كما جاز الفصل بين المضاف والمضاف إليه به. قال الشاعر:
فرشني بخير لا أكونن ومد حتي كناحت يوما صخرة بعسيل
وقد يفصل أيضا بينهما بغير الظرف إذا لم يكن أجنبيا من كل وجه. قال ابن بطال ناقلا عن المهلب كما هو قاعدته في النقل عنه: فيه من الفقه أن العالم واجب عليه تبليغ العلم لمن لم يبلغه ويبينه لمن لا يفهمه وهو الميثاق الذي أخذه الله تعالي علي العلماء «لتبيينه للناس ولا تكتمونه» وفيه أنه قد يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدمه إلا أن ذلك يكون في الأقل لأن رب موضوعة للتقليل وعسي موضوعة للإطماع وليست لتحقيق الشيء وفيه أن حامل الحديث يجوز أن يؤخذ عنه وإن كان جاهلا بمعناه وهو مأجور في تبليغه محسوب في زمرة العلماء وفيه أن ما كان حراما يجب علي العالم أن يؤكد حرمته ويغلظ عليه بأبلغ ما يجد كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم في التشبيهات وفيه جواز القعود علي ظهور الدواب إذا احتيج إلي ذلك وإنما خطب علي البعير ليسمع الناس وإنما أمسك إنسان بخطامه ليتفرغ للحديث ولا يشتغل بإمساكه (باب العلم قبل القول والعمل) يعني أن الشيء يعلم أولا ثم يقال ويعمل به فالعلم مقدم عليهما بالذات وكذا مقدم عليهما بالشرف لأنه عمل القلب وهو أشرف أعضاء البدن. قال ابن بطال: العمل لا يكون إلا مقصودا به