بين الجملتين مناسبة إذ هو بالحقيقة تشبيه للحرام بالحمى وللمشتبه بما حوله فلا بد فيه من مشاركة بينهما وترك الواو في الثاني إشعاراً لكمال الانقطاع بين الجملتين وبالبون البعيد بين حمى الملوك وحمى الله تعالى الذي هو الملك الحق لا ملك حقيقة إلا له تعالى أو إشعاراً بكمال الاتحاد إذ لما كان لكل ملك حمى كان لله تعالى حمى لأنه ملك الملوك والملك الحقيقي فذكره مع ذكر فائدة زائدة فيه وهي إن حمى الله محارمه وكذا بين الثالثة والأولى مناسبة نظراً إلى أن الأصل في الإنقاء والوقوع هو ما كان بالقلب لأنه عماد الأمر وملاكه وبه قوامه ونظامه وعليه تنبني فروعه وبه تتم أصوله ويحتمل أن تكون المناسبة بينهما بالضدية كما أن حفظ الأصل يحفظ الفرع كذلك حفظ الفرع يحفظ الأصل أي لا بد من رعاية الأصل والفرع حتى تتم البراءة الكاملة بتعاضدهما ويسلم من الطرفين بتعاونهما قوله:(مضغة) أي قطعة من للحم سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها كأن المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب و (صلح وفسد) بفتح اللام والسين وضمهما والفتح أفصح. فإن قلت فدخول إذ لا بد أن يكون متحقق الوقوع وههنا الصلاح غير متحقق لاحتمال الفساد وبالعكس. قلت هو ههنا بمعنى أن بقرينة ذكر المقابل وقد وقع بينهما المبادلة وسمي القلب قلباً لتقلبه في الأمور وقيل لأنه خالص ما في البدن إذ خالص كل شئ قلبه ولما كان هو سلطان البدن لما صلح صلح الأعضاء الأخر التي هي كالرعية وهو بحسب الطب أول نقطة تتكون من النطفة ومنه تظهر القوى ومنه تنبعث الأرواح ومنه ينشأ الإدراك ويبتدئ التعقل واحتج جماعة بهذا الحديث وبنحو قوله: تعالى: (لهم قلوب لا يعقلون بها) على أن العقل في القلب لا في الرأس وفيه خلاف مشهور مذهب أصحابنا وجمهور المتكلمين أنه في القلب وقال أبو حنيفة رضي الله عنه هو في الدماغ وحكى الأول عن الفلاسفة والثاني عن الأطباء واحتجوا بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل ولا حجة لهم فيه على قاعدتهم لأن الدماغ آلة وفساد الآلة لا يقتضي فساده وعلى قاعدتنا أيضاً أن الله تعالى أجرى العادة بفساده عند فساده مع أن العقل ليس فيه. قال ابن بطال: هذا الحديث أصل في القول بحماية الذرائع وفيه أن العقل إنما هو في القلب وما في الرأس منه فإنما هو عن القلب ومنه سببه وفيه أن من لم يتق الشبهات فقد أوجد السبيل إلى عرضه ودينه فيجوز رد روايته وقدح شهادته قال النووي ليس فيه دلالة على أن العقل في القلب واستدل به أيضاً على أن من حلف لا يأكل لحماً فأكل قلباً يحنث ولأصحابنا فيه وجهان قالوا لا يحنث لأنه لا يسمى في العرف لحماً وقال الغزالي السلاطين