فمن أين لزم أفضليته، قلت تعلم الأفضلية مما قبله ومما بعده، ثم إن المودة الإسلامية متفاوتة وما ذاك إلا بحسب تفاوتهم في إعلاء كلمة الله تعالى وتحصيل كثرة الثواب وذلك هو معنى الأفضلية، أو الأفضل إنما هو على حقيقته ومعناه أن مودة الإسلام معه أفضل من مودته مع غيره، قوله (لا يبقين) بالنون المشددة المؤكدة بلفظ المجهول وروى بلفظ المعروف أيضاً. فإن قلت كيف ينهى الباب عن البقاء وهو الغير مكلف. قلت هو كناية لأن عدم البقاء لازم للنهي عن الإبقاء فكأنه قال لا تبقوه حتى لا يبقى وهو مثل لا أرينك ههنا أي لا نقعد عندي حتى لا أراك. قوله (إلا سد) فإن قلت الفعل وقع ههنا مستثنى ومستثنى منه فكيف ذلك. قلت التقدير إلا باباً سد فالباب الموصوف المحذوف هو المستثنى أولاً والمستثنى منه ثانياً أو هو استثناء مفرغ تقديره لا يبقين باب بوجه من الوجوه إلا بوجه السد إلا بابه وحاصله لا يبقين باب غير مسدود إلا بابه رضي الله عنه. الخطابي: لفظ (أمن) معناه أبذل لنفسه وأعطى لماله والمن العطاء من غير استنابة قال تعالى (ولا تمنن تستكثر) معناه لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت ولم يرد به معنى المنة فإن المنة تفيد الصنيعة وليس لأحد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منة بل المنة له على جميع الأمة وأما الذي نفى من الخلة بقوله (لاتخذت) هو الانقطاع إلى محبته والانبتات إليه، وإنما أشار بقوله ولكن أخوة الإسلام إلى أخوة الدين وإلى معنى الاختصاص فيها وفي أمره عليه السلام بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد غير باب أبي بكر اختصاص شديد لأبي بكر رضي الله عنه، وفيه دلالة على أنه قد أفرده في ذلك بأمر لا يشارك فيه وأولى ما يصرف إليه التأويل فيه الخلافة وقد أكد الدلالة عليها بأمره إياه بالإمامة في الصلاة التي بنى لها المسجد ولأجلها يدخل إليه من أبوابه، قال ولا أعلم في إثبات القياس أقوى من إجماع الصحابة على استخلاف أبي بكر مستدلين في ذلك باستخلافه - صلى الله عليه وسلم - إياه في أعظم أمور الدين وهو الصلاة فقاسوا عليها سائر الأمور. النووي: معنى (لو كنت متخذاً) أن حب الله تعالى لم يبق في قلبه موضعاً لغيره، قال: وفيه أن المساجد قصان عن تطرق الناس إليها في خوخات ونحوها إلا من أبوابها إلا من حاجة مهمة، قال ابن بطال: فيه التعريض بالعلم للناس وإن قل فهماؤهم خشية أن يدخل عليهم مساءة أو حزن، وفيه أنه لا يستحق أحد العلم إلا من فهم والحافظ لا يبلغ درجة الفهم وإنما يقال في الحافظ عالم بالنص لا بالمعنى. وفيه أن أبا بكر أعلم الصحابة، وفيه الحض على اختيار ما عند الله تعالى والزهد في الدنيا والأعلام ممن اختار ذلك من الصالحين، وفيه أن على السلطان شكر من أحسن صحبته ومعونته بنفسه وماله واختصاصه بالفضيلة التي لم يشارك فيها كما خصه عليه السلام بما لم يخص به غيره، وذلك أنه جعل بابه في المسجد ليخلفه في الإمامة فيخرج من بيته إلى المسجد