وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ... يوما سراة كرام الناس فادعينا
فإن الجلى مؤنث الأجل فخلعت عنها الوصفية وجعلت اسما للحادثة العظيمة. أقول والدليل على جعلها اسما قلب الواو ياء لأنه لا يجوز القلب إلا في الفعلى الاسمية. التيمي: الدنيا مؤنث الأدنى لا ينصرف مثل حبلى لاجتماع أمرين فيها احدهما الوصفية والثاني لزوم التأنيث. أقول ليس ذلك لاجتماع أمرين فيها إذ لا وصفية ههنا بل لامتناع صرفه للزوم التأنيث للألف المقصورة وهو قائم مقام العلتين فهو سهو منه. قوله:((إلى دنيا)) هو إما متعلق بالهجرة إن كان لفظ كانت تامة أو خبر لكانت إن كانت ناقصة. فإن قلت لفظ كانت إن كان باقيا في المضي فلم يعلم أن الحكم بعد صدور الكلام من الرسول أيضا لذلك أم لا وان نقل العكس فيها بسبب تضمين من لحرف الشرط إلى معنى الاستقبال ففي الجملة الحكم إما للماضي وإما للمستقبل, قلت جاز أن يراد به أصل الكون أي الوجود مطلقا من غير تقييد بزمان من الأزمنة الثلاثة أو يقاس أحد الزمانين على الآخر أو يعلم من الإجماع أن حكم المكلفين على السواء لا لعارض. قوله:((إلى ما هاجر إليه) إما أن يكون متعلقا بالهجرة والخبر محذوف أي هجرته إلى ما هاجر إليه غير صحيحة أو غير مقبولة وإما أن يكون خبر فهجرته والجملة خبر المبتدأ الذي هو من كانت وادخل الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط. فإن قلت المبتدأ والخبر بحسب المفهوم متحدان فما الفائدة في الإخبار. قلت لا اتحاد إذ الخبر محذوف وهو فلا ثواب له عند الله والمذكور مستلزم له دال عليه أو فهي هجرة قبيحة خسيسة لأنه الخبر وكذا الشرط والجزاء إذا اتحدا صورة يعلم منه التعظيم نحو أنا أنا وشعري شعري ومن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله أو التحقير نحو فهجرته إلى ما هاجر إليه ثم لا يخفى أن إنما الأعمال بالنيات لقصر المسند إليه على المسند وإنما لكل امرئ ما نوى قصر المسند على المسند إليه إذ المراد إنما لعمل كل امرئ ما نوى إذ القصر بإنما لا يكون إلا في الجزء الآخر وإذا قلنا تقديم الخبر على المبتدأ يفيد القصر ففي إنما لكل امرئ ما نوى نوعان من الحصر. واعلم انه تقرر في الأصول أن الجمع إذا ذكر في مقابلة الجمع يفيد التوزيع فمعناه كل عمل إنما هو بنية. فإن قلت النية عمل لأنه من أعمال القلب فإن احتاج كل عمل إلى نية فالنية أيضا تحتاج إلى نية وهلم جرا. قلت المراد بالعمل عمل الجوارح نحو الصلاة والزكاة فإذ ذاك خارج عنه بقرينة العقل دفعا للتسلل. فإن قلت المتروك أيضا عمل لأن الأصح أن الترك كف النفس فيحتاج إلى النية. قلت نعم إذا كان المقصود منه امتثال أمر الشارع وتحصيل الثواب أما في إسقاط العقاب فلا فالتارك للزنا يحتاج فيه لتحصيل الثواب إلى النية وما اشتهر أن المتروك لا يحتاج إليها يريدون به في الإسقاط وههنا بعدما ذكرنا من اللغة والإعراب والبيان والأصول والفقه يستفاد منه مسالة أخرى أصولية وهي أنه لا يجوز تكليف الغافل فإن الفعل