امتثالا يعتمد العلم ولا يكفي مجرد الفعل فإن قلت فما قولك في إيجاب معرفة الله تعالى للغافل عنه قلت لا مدخل له في المبحث لان المراد تكليف الغافل عن تصور التكليف لا عن التصديق بالتكليف ولهذا كان الكفار مكلفين لأنهم تصوروا التكليف لما قيل لهم إنهم مكلفون وإنما كانوا غافلين عن التصديق الخطابي. صدر أبو عبد الله البخاري كتابه بحديث النية وهو حديث كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديمه أمام كل شيء ينشأ ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليها في جميع أنواعها ووقع في روايتنا وجميع نسخ أصحابنا مخروما قد ذهب شطره وهو قوله:((فمن كانت هجرته إلى الله وإلى ورسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله)) ولست ادري كيف وقع هذا الإغفال ومن جهة من عرض من روايته وقد ذكره البخاري في هذا الكتاب في غير موضع من غير طريق الحميدي فجاء به مستوفى مذكورا بشطريه ولا شك في أنه لم يقع من جهة الحميدي فقد رواه لنا الأثبات من طريقه تاما غير ناقص قال وقوله: ((إنما الأعمال بالنية)) لم يرد به أعيان الأعمال لأنها حاصلة حسا وعيانا بغير نية وإنما معناه أن صحة أحكام الأعمال في حق الدين إنما يقع بالنية وان النية هي الفاصلة بين ما يصح وما لا يصح وكلمة إنما عاملة بركنيها إيجابا ونفيا فهي تثبت الشيء وتنفي ما عداه فدلالتها أن العبادة إذا صحبتها النية صحت وإذا لم تصحبها لم تصح. أقول علم من تقريره أن الباء للمصاحبة وإنها متعلقة بيقع صحيحا أي بيصح قال ومقتضى حق العموم فيها يوجب أن لا يصح عمل من الأعمال الدينية أقوالها وأفعالها فرضها ونفلها قليلها وكثيرها إلا نية ودخل فيها التوحيد الذي هو رأس أعمال الدين فلا يصح إلا بقصد الإخلاص فيه أقول ليس قوله: ودخل فيها التوحيد مسلما لأن التوحيد من الاعتقادات لا من العمليات اللهم إلا أن يراد بالتوحيد قول كلمة الشهادة وبالعمل ما يتناول عمل اللسان وقال قوله: ((لكل امرئ ما نوى)) تفصيل لبيان ما تقدم وفيه معنى خاص لا يستفاد من إنما لا أعمال بالنيات وهو إيجاب تعيين النية للعمل الذي يباشره فلو نوى أن يصلي ركعتين يكونان عن فرضه أن فاته وإلا فهي تطوع لم تجزه عن فرضه لأنه لم يمحض النية له وإنما داول في النية بين الفرض وبدله فلم تجد النية قرارا وأما مواضع النية فمنها ما يجب مقارنتها للعمل كنية الصلاة ومنها ما يجوز تقديمها عليه كالصيام وقد يقع في بعض الأحوال على إبهام ثم يقع التعيين فيما بعد كمن عليه كفارتان من قتل وظهار فأعتق رقبة ونوى بعده لأحدهما وعلى كل حال فلا ينفك عمل من العبادات عن نيتها وإنما جاز التقديم والتأخير لأسباب ليس هذا موضع ذكرها وقد يستدل من هذا الحديث في مواضع من المعاملات وما يتصل بهما كمن أكره على الكفر فتكلم به وهو ينوي خلافه فإنه لا يكفر وككنايات الطلاق فإنه لو لم ينو الطلاق لم يقع وزعم قوم أن الاستدلال به في غير العبادات غير صحيح لأن الحديث إنما جاء في اختلاف مصارف وجود العبادات لكن عوام الفقهاء ينظرون إلى اتساع اللفظ واحتمال الاسم