لما يصلح صرفه إليه من المعاني ولا يراعون الأسباب التي يخرج عليها الكلام ولا يقصرونه عليها. وأقول حاصله أن العبرة لعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قال وقوله:((فمن كانت هجرته)) إلى آخره معناه أن قصد بالهجرة القربة إلى الله فهجرته مقبولة إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا فهي حظه ولا حظ له في الآخرة وقالوا إنما جاء هذا الحديث في رجل كان يخطب امرأة بمكة فهاجرت إلى المدينة فتبعها الرجل رغبة في نكاحها فسمي مهاجر أن قيس. التيمي: إن قيل قد روى البخاري هذا الحديث في مواضع من كتابه فلم قدم هذا الطريق وصدر به كتابه قلنا لروايته إياه عن الإمام الكبير المقدم الحميدي عن سفيان ومعناه أن العمل إنما يكمل عملا ويرجى فيه القبول إذا وجهت قلبك وقصدت به التقرب إلى الله. وأقول وحاصله أن التقرير إنما الأعمال تكمل بالنيات أو تقبل بالنيات والباء للاستعانة قال والنية أبلغ من العمل ولهذا تقبل النية بغير عمل فإذا نوى حسنة فإنه يجزى عليها ولو عمل حسنة بغير نية لا يجزى عليها. فإن قيل فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له واحدة ومن عملها كتبت له عشرا)) وروي أيضا أنه قال ((نية المؤمن خير من عمله)) فالنية في الحديث الأول دون العمل وفي الثاني فوق العمل وخيرٌ منه. قلنا أما الحديث الأول فلأن الهام بالحسنة إذا لم يعملها خلاف العمل لأنّ الهام لم يعمل والعامل لم يعمل حتى هم ثم عمل وأما الثاني فلأن تخليد الله تعالى العبد في الجنة ليس لعمله وإنما هو لنيته لأنه لو كان لعمله لكان خلوده فيها بقدر مدّة عمله أو أضعافه إلا أنه جازاه بنيته لأنه كان ناويا أن يطيع الله تعالى أبدا لو بقي أبدا فلما اخترمته منيته دون نيته جزاه الله عليها وكذلك الكافر لأنه لو كان مجازى بعمله لم يستحق التخليد في النار إلا بقدر مدة كفره غير أنه نوى أن يقيم على كفره أبدا لو بقي فجازاه الله على نيته. وأقول يحتمل أن يقال إن المراد منه أن النية خير من العمل بلا نية إذ لو كان المراد خير من عمل مع نية يلزم أن يكون الشيء خيرا من نفسه مع غيره أو أن النية خير من جملة الخيرات والواقعة بعمله أو أن النية فعل القلب وفعل الأشرف أشرف أو أن المقصود من الطاعات تنوير القلوب وتنوير القلب بها أكثر لأنها صفته أو نية المؤمن خير من عمل الكافر لما قيل ورد ذلك حين نوى مسلم بناء قنطرة فسبق كافر إليه. فغن قيل قلت هذا في الحسنة فما حكمه في السيئة. قلت المشهور أنه لا يعاقب عليها بمجرد النية واستدلوا عليها بقوله: تعالى ((لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)) فإن اللام للخير فجاء فيها بالكسب الذي لا يحتاج إلى تصرف بخلاف عليها فإنها لما كانت للشر جاء فيها بالاكتساب الذي لا بد فيه من التصرف والمعالجة ولكن الحق أن السيئة يعاقب عليها أيضا بمجرد النية لكن على النية لا على الفعل حتى لم همّ أحد على