فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ، فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ»
ــ
من ذكره أولا أنه لم يقبل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن ذكره ثانيا أنه أدبر مستمرا في ذهابه ولم يرجع. قوله:(فلما فرغ) رسول الله صلي الله عليه وسلم أي عما كان مشتغلا به من الخطبة أو تعليم العلم أو الذكر ونحوه. قوله (قال ألا أخبركم) ألا حرف التنبيه سواء فيه ما كان المخاطب به مفردا أو مثني أو مجموعا ويحتمل أن تكون الهمزة للاستفهام لا للنفي في وفي الكلام طي كأنهم قالوا أخبرنا فقال (أما أحدهم) قوله (فأوي إلي الله) بالهمزة المقصورة (فآواه الله) بالممدودة والمقصورة. قال الجوهري: أوي فلان إلي منزله يأوي أويا علي فعول وآويته إيواء وأويته إذا أنزلته بك فعلت وأفعلت بمعني واعلم أن الإيواء وهو الإنزال عندك لا يتصور في حق الله تعالي وكذلك الاستحياء لأنه تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يغم به وكذا الإعراض لأنه التفات إلي جهة أخري فهي مجازاة عن لوازمها كازادة إيصال الخير اللازمة للإيواء وترك العقاب للإستحياء والإذلال للأعراض ونحو ذلك والقاعدة الكلية في هذه الإطلاقات التي لا يمكن حملها علي ظواهرها أن يراد بها غاياتها ولوازمها. فإن قلت ما العلاقة بين المعني الحقيقي والمعني المجازي. قلت اللزوم. فإن قلت ما القرينة الصارفة عن إرادة الحقيقة. قلت العقل إذ لا يتصور عقلا صدورها عن الله تعالي. فإن قلت ما الفائدة في العدول عن الحقيقة إليه. قلت فوائد كثيرة كبيان الشيء بطريق عقلي وزيادة توضيح وكتحسين اللفظ. فإن قلت هذا من أي نوع من المجاز. قلت من باب المشاكلة فإن قلت هذه الأفعال الثلاثة أخبار أو دعاء. قلت جاز اعتبار الأمرين لكن الأول أظهر ويحتمل أن يكون أيضا من باب التشبيه أي يفعل الله تعالي كما يفعل المؤوي والمستحي والمعرض. الكشاف: فأن قلت كيف جاز وصف القديم بالإستحياء، قلت هو جائز علي سبيل التمثيل مثل تركه بترك من يترك شيئا حياء منه. فأن قلت ما وجه مناسبة هذا الباب بكتاب العلم. قلت من جهة أن المراد بالحلقة حلقة العلم وفي الحديث أن السنة الجلوس علي وضع الحلقة وللداخل أن يجلس حيث ينتهي إليه المجلس وأن لا يزاحم الجلاس إن لم يجد فرجة وأن الإعراض عن مجلس العلم مذموم وهذا محمول علي من ذهب ممرضا لا لعذر وضرورة. قال ابن بطال: فيه أن من جلس إلي حلقة علم أنه في كنف الله وإيوائه وهو ممن تضع له