للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.

٣ - حَدَّثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثنا اللَّيْثُ

ــ

الجبهة وللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة و ((يتفصد)) أي يسيل والتفصد السيلان والفصد قطع العرق لإسالة الدم وشبه جبينه بالعرق المفصود مبالغة في كثرة العرق كما أن باب التفعل يدل عليها وكذا ذكر التمييز وهو عرقا لأنه توضيح بعد إبهام وتفصيل بعد إجمال وكذا قولها في اليوم الشديد كما أن فيه دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي قوله: ((وهو أشده)) يعلم منه لأنه أفعل التفضيل أن الوحي كان إذا ورد عليه صلى الله عليه وسلم أصابته مشقة وشدة ويغشاه كرب لثقل ما يلقى عليه قال تعالى ((إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا)) لكن النوع الأول أشد عليه من النوع الثاني وذلك لأن الفهم من كلام مثل صلصلة الجرس أشكل من الفهم من كلام الرجل المتكلم على الطريقة المعهودة عند التخاطب أو لأن سنة الله لما جرت من أنه لا بد من مناسبة بين القائل والسامع حتى يصح بينهما التحاور والتعليم والتعلم فتلك المناسبة إما باتصاف السامع بوصف القائل لغلبة الروحانية عليه وهو النوع الأول أو باتصاف القائل بوصف السامع وهم النوع الثاني والدليل عليه تمثله رجلا كما أن الدليل على الأول كونه قسيما له ثم لا شك أن الأول أشد وقد تبين وجه الحصر فيهما من هذا التقدير ويمكن أيضا أن يقال لا يخلو إما أن يرى القائل متمثلا بشرا سويا أو لا أولا يخلو من أن يكون المقول كلاما ظاهرا مفهوما بلا زيادة مشقة أم لا. فإن قلت ههنا نوع آخر من وهو الرؤيا الصالحة. قلت المقصود من السؤال كان طلب بيان ما يختص به ويخفى ولا يعرف والرؤية معروفة فلا دخل لها فيه أو كان ظهور ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أيضا إما بصلصلة الجرس وإمّا بتمثل الملك أو كان السؤال عن كيفية الوحي حال اليقظة أو كان عند السؤال نزول الوحي على هذين الوجهين إذ الوحي على سبيل الرؤيا إنما هو في أول البعثة لأن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا ثمّ حبب إليه الخلاء كما روي في الحديث إلى آخره وقيل ذلك في ستة أشهر فقط وأن الوجود بعد إرسال الملك منغمر في الوحي فلم يحسب. قوله:: ((يتمثل)) فيه أن الملك جاز له أن يتشكل بشكل البشر قال المتكلمون الملائكة أجسام علوية لطيفة تتشكل بأي شكل شاءوا. فإن قلت السؤال عن كيفية إتيان الوحي والجواب على النوع الثاني عن كيفية الحامل للوحي. قلت: لا نسلم أن السؤال عن كيفية إتيان الوحي بل عن كيفية حامله ولئن سلمنا فبيان كيفية الحامل مشعر بكيفية الوحي حيث قال: فيكلمني أي تارة يكون كالصلصلة وتارة يكون كلاما صريحا ظاهر الفهم والدلالة. فإن قلت فلم قال في الأول وعيت ما قال بلفظ الماضي

<<  <  ج: ص:  >  >>