للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وفي الثاني بلفظ المضارع قلت لأن الوعي في الأول حصل قبل الصم ولا يتصور بعده وفي الثاني الوحي حالة المكالمة ولا يتصور قبلها أو لأنه كان الوعي في الأول عند غلبة التلبس بالصفات الملكية فإذا عاد إلى حالته الجبلية كان حافظا فأخبر عن الماضي بخلاف الثاني فإنه على حالته المعهودة أو تقول لفظة قد تقرب الماضي من الحل وأعي فعل مضارع للحال فهذا لما كان صريحا يحفظه في الحال وذاك يقرب من أن يحفظه إذ يحتاج فيه إلى استثبات والله أعلم. الخطابي فيفصم عني أي ينجلي ما يتغشاني من الكرب والشدة والمعنى أن الوحي كان إذا ورد عليه صلى الله عليه وسلم تغشاه كرب وذلك لشدّة ما يلقى عليه من القول وشدة ما يأخذ به نفسه من جمعه في قلبه وحسن حفظه فيعتريه لذلك حالة كحالة المحموم وهو معنى ما يروى أنه كان يأخذه عند الوحي الرحصاء أي العرق وجملة الأمر فيما كان يناله من الكرب عند الوحي هي شدّة الامتحان له ليبلو صبره ويحسن تأديبه فيرتاض لاحتمال ما كلف من أعباء النبوة أو ذلك لما يستشعره من الخوف لوقوع تقصير فيما أمر به من حسن ضبطه أو اعتراض خلل دونه وقد أنذر صلى الله عليه وسلم بما ترتاع له النفوس ويعظم به وجل القلوب في قوله: تعالى ((ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين)) وأقول حاصله أن الشدة إمّا لحسن حفظه وإمّا لابتلاء صبره وإما للخوف من التقصير قال وأما قوله: ((يأتيني مثل صلصلة)) فإنه يريد أنّه صوت متدارك بسمعه ولا يستثبته عند أول ما يقرع سمعه حتى يتفهم ويستثبت فيتلقنه حينئذ ويعيه فكذلك قال هو أشدّه علي وقيل الحكمة في ذلك أن يتفرغ سمعه صلى الله عليه وسلّم ولا يبقى فيه مكان لغير صوت الملك ولا في قلبه قال الشيخ شهاب الدين رحمه الله تعالى في شرح المصابيح هذا حديث يغالط فيه أبناء الضلالة وحاصل القول فيه أن نقول كان النبي صلى الله عليه وسلم معتنيا بالبلاغة مكاشفا للعلوم الغيبية وكان يوفر على الأمة حصتهم بقدر الاستعداد فإذا أريد أن ينبئهم بما لا عهد لهم به من تلك العلوم صاغ لها أمثلة من عالم الشهادة ليعرفوا مما شاهدوا ما لم يشاهدوه فلما سأله الصحابي عن كيفية الوحي وكان ذلك من المسائل العويصة ضرب لها في المشاهد مثلا بالصوت المتدارك الذي يسمع ولا يفهم منه شيء تنبيها على إثبات ما يرد على القلب في لبسة الجلال فيأخذ هيبة الخطاب حين ورودها لمجامع القلب ويلاقي من ثقل القول مالا علم له بالقول مع وجود ذلك فإذا وجد القول المنزل بينا فيلقى في الروع واقعا موقع المسموع وهذا معنى قوله: فيفصم عني وهذا الضرب من الوحي شبيه بما يوحى إلى الملائكة على ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قضى الله في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله: كأنها سلسلة على الحجر فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير هذا وتبين لنا من الحديث أن الوحي كان يأتيه على

<<  <  ج: ص:  >  >>