في الأمانة على خلاف الشرع. فإن قلت الجمل الشرطية بيان لثلاث أو بدل لكن لا يصح أن يقال الآية إذا حدث كذب فما وجهه. قلت معناه آية المنافق كذبه عند تحديثه وذلك مثل قوله: تعالى (فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً) على أحد التوجيهات. فإن قلت الوعد تحديث خاص فما معنى عطفه على التحديث والخاص إذا عطف على العام لا يخرج من تحت العام فالآية اثنتان لا ثلاث. قلت لما كان لازم الوعد الإخلاف الذي قد يكون فعلاً وهو غير الكذب الذي لازم التحديث وهو لا يكون فعلاً جعلاً متغايرين نظراً إلى اعتبار تغاير لازميهما أو جعل الوعد حقيقة أخرى غير داخلة تحت حقيقة التحديث على سبيل الادعاء لزيادة قبحه كما يدعي أن جبريل عليه السلام نوع آخر غير الملائكة لزيادة شرفه. قال الشاعر:
فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال
وإنما خصص الثلاث بالذكر لأنها مشتملة على المخالفة التي عليها مبنى النفاق من مخالفة السر العلن واعلم أن جماعة من العلماء عدوا هذا الحديث مشكلاً من حيث أن هذه الخصال قد توجد في المسلم المصدق بقلبه ولسانه مع أن الإجماع حاصل على أنه لا يحكم بكفره ولا بنفاق يجعله في الدرك الأسفل من النار. النووي: ليس في الحديث أشكال إذ معناه أن هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافق في هذه ومتخلق بأخلاقهم إذ النفاق إظهار ما يبطن خلافه وهو موجود في صاحب هذه الخصال ويكون نفاقه خاصاً في حق من حدثه ووعده وائتمنه لا أنه منافق في الإسلام مبطن للكفر وقال بعض العلماء هذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه فأما من ندر فيه ذلك فليس داخلاً فيه. الطيبي: الإتيان بالجملة الشرطية مقارنة بإذا الدالة على تحقق الوقوع يدل على أن هذه عادتهم وقال الخطابي كلمة إذا تقتضي تكرار الفعل وأقول وفي كون إذا دليلاً على أنها عادتهم أو أنها تقتضي تكرار الفعل تطويل الأولى أن يقال حذف المفعول من حدث ونحوه دليل على العموم أو الإطلاق فكأنه قال إذا حدث في كل شيء كذب فيه أو إذا أوجد ماهية التحديث كذب ولاشك أن مثله منافق في الدين وقال جماعة المراد به المنافقون الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فحدثوا بإيمانهم فكذبوا ووعدوا في نصر الدين فأخلفوا وائتمنوا في دنياهم فخانوا وقال الخطابي معناه أن الإنذار للمسلم والتحذير له أن لا يعتاد هذه الخصال خوفاً أن يفضي بها إلى النفاق وقال النفاق ضربان أحدهما أن يظهر صاحبه الدين وهو مبطن للكفر وعليه كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر ترك المحافظة على أمور الدين سراً ومراعاتها علناً وهذا أيضاً يسمى نفاقاً كما جاء (سباب المسلم فسق وقتاله كفر) وإنما هو كفر دون كفر وفسق دون فسق كذلك هو نفاق دون نفاق وقال بعضهم ورد الحديث في رجل بعينه منافق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يواجههم بصريح القول