لعمري والله إنك لجريئة
! وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز؟ قالت: فمازال يلومني حتى تمنيت أن
الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها! قالت: فرفع الرجل السبغة عن وجهه فإذا
طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز
أو الفرار إلا إلى الله عز وجل؟ قالت: ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش
يقال له: ابن العرقة بسهم له، فقال له: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله
فقطعه، فدعا الله عز وجل سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة،
قالت: وكانوا حلفاء مواليه في الجاهلية، قالت: فرقى كلمه، (أي جرحه)
وبعث الله عز وجل الريح على المشركين، فكفى الله المؤمنين القتال وكان الله
قويا عزيزا، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدر ومن معه
بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة، فوضع السلاح وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد،
قالت: فجاء جبريل عليه السلام وإن على ثناياه لنقع الغبار فقال: أو قد وضعت
السلاح؟ والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم.
قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن
يخرجوا. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على بني غنم، وهم جيران
المسجد حوله، فقال: من مر بكم؟ قالوا: مر بنا دحية الكلبي، وكان دحية
الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه السلام، فقالت: فأتاهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، فلما اشتد حصرهم، واشتد
البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا
أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح، قالوا: ننزل على حكم سعد
بن معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انزلوا على حكم سعد بن معاذ،
فنزلوا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، فأتي به على
حمار عليه أكاف من ليف، وقد حمل عليه، وحف به قومه فقالوا: يا أبا عمرو
حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت، فلم يرجع إليهم شيئا ولا يلتفت