ولكن إذا كان من المعلوم أن صوم رمضان في السفر عبادة
بدليل صيامه صلى الله عليه وسلم فيه، فمن البدهي حينئذ أنه أمر مشروع حسن،
وإذا كان كذلك فإن وصف الإفطار في الحديث بأنه حسن، لا يدل على أنه أحسن من
الصيام، لأن الصيام أيضا حسن كما عرفت، وحينئذ فالحديث لا يدل على أفضلية
الفطر المدعاة، بل على أنه والصيام متماثلان.
ويؤكد ذلك حديث حمزة بن عمرو من رواية عائشة رضي الله عنها: أن حمزة بن عمرو
الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل أسرد
الصوم، فأصوم في السفر؟ قال:
" صم إن شئت، وأفطر إن شئت ".
١٩٤ - " صم إن شئت، وأفطر إن شئت ".
أخرجه الشيخان وغيرهما من أصحاب الستة وابن أبي شيبة (٢ / ١٥٠ / ١) وعنه
أبو حفص الكناني في " الأمالي " (١٧ / ١) .
قلت: فخيره صلى الله عليه وسلم بين الأمرين، ولم يفضل له أحدهما على الآخر،
والقصة واحدة، فدل على أن الحديث ليس فيه الأفضلية المذكورة.
ويقابل هذه الدعوى قول الشيخ علي القاري في " المرقاة " أن الحديث دليل على
أفضلية الصوم. ثم تكلف في توجيه ذلك.
والحق أن الحديث يفيد التخيير لا التفضيل، على ما ذكرناه من التفصيل.
نعم يمكن الاستدلال لتفضيل الإفطار على الصيام بالأحاديث التي تقول:
" إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته. (وفي رواية) : كما
يحب أن تؤتى عزائمه ".
وهذا لا مناص من القول به، لكن يمكن أن يقيد ذلك بمن لا يتحرج بالقضاء،
وليس عليه حرج في الأداء، وإلا عادت الرخصة عليه بخلاف المقصود. فتأمل.