" إنا قد بايعناك فارجع " وسيأتي
برقم (١٩٦٨) .
(الممرض) : هو الذي له إبل مرضى و (المصح) ، من له إبل صحاح.
واعلم أنه لا تعارض بين هذين الحديثين وبين أحاديث " لا عدوى ... " المتقدمة
برقم (٧٨١ - ٧٨٩) لأن المقصود بهما إثبات العدوى وأنها تنتقل بإذن الله
تعالى من المريض إلى السليم والمراد بتلك الأحاديث نفي العدوى التي كان أهل
الجاهلية يعتقدونها، وهي انتقالها بنفسها دون النظر إلى مشيئة الله في ذلك
كما يرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: " فمن أعدى الأول؟ ".
فقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم نظر الأعرابي بهذا القول الكريم إلى المسبب
الأول ألا وهو الله عز وجل ولم ينكر عليه قوله " ما بال الإبل تكون في الرمل
كأنها الظباء فيخالطها الأجرب فيجربها "، بل إنه صلى الله عليه وسلم أقره على
هذا الذي كان يشاهده، وإنما أنكر عليه وقوفه عند هذا الظاهر فقط بقوله له:
" فمن أعدى الأول؟ ".
وجملة القول: أن الحديثين يثبتان العدوى وهي ثابتة تجربة ومشاهدة.
والأحاديث الأخرى لا تنفيها وإنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله تعالى
الخالق لها. وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن الأطباء الأوربيين في أشد الغفلة
عنه تعالى لشركهم وضلالهم وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهلية، فلهولاء
يقال: " فمن أعدى الأول؟ " فأما المؤمن الغافل عن الأخذ بالأسباب، فهو يذكر
بها، ويقال له كما في حديث الترجمة " لا يورد الممرض على المصح " أخذا
بالأسباب التي خلقها الله تعالى، وكما في بعض الأحاديث المتقدمة: " وفر من
المجذوم فرارك من الأسد ". هذا هو الذي يظهر لي من الجمع بين هذه الأخبار وقد
قيل غير ذلك مما هو مذكور في " الفتح " وغيره. والله أعلم.