فيا ويله ما أجرأه على نبز السلف بـ "المجسمة"! وفيهم من يتظاهر بتبجيله؛ وإن كنت أعلم أنه لا مبجَّل عنده إلا هواه، وإلا فقل لي بربك كيف يرمي بالتجسيم من فسر الآية بما سبق أن عزوته للسلف؛ ومنهم الإمام البيهقي في كتابيه المذكورين آنفًا (١) ، وهما من الكتب التي يحض هذا الهالك على قراءتها في تعليقه (ص ٧٨) ؟! وهل أدل على اتباعه لهواه من مخالفته للعلماء الذين صححوا حديث الرحمة هذا، ومنهم شيخاه الغماريان؟! وكذلك تضعيفه لكثير من الأحاديث الصحيحة الأخرى كحديث الجارية؛ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ ". رواه مسلم، وصححه جمع كما فصلت القول في ذلك فيما يأتي برقم (٣١٦١) ، وكحديث اختصام الملأ الأعلى، وقد صححه البخاري والترمذي وأبو زرعة والضياء، وهو غير حديث:"رأيت ربي جعدًا أمرد.." فإنه منكر، وحديث:"رأيت ربي بمنى عند النفر على جمل.. "، فإنه موضوع كما هو مبين في "الضعيفة"(٦٣٣٠) ، وقد لبَّس (السقاف) بهذا على القراء فأوهمهم أن الذهبي أنكر حديث الاختصام، وإنما أراد هذا، فارجع الى الرقم المذكور لترى العجب من تدليس هذا الرجل وتضليله للقراء. وقد وجدت لحديث الاختصام طريقًا أخرى -بل شاهدًا صحيحًا- فخرجته في "الصحيحة"(٣١٦٩) .
وإن مما يجب التنبيه عليه بهذه المناسبة أن الرجل كما يضعف الأحاديث الصحيحة؛ فهو على العكس من ذلك يقوي الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ويحتج بها معطلًا بها معاني الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة، فهو مثلًا يبطل دلالة الحديث المتواتر في النزول الإِلهي، وقوله تعالى فيه:"من يدعوني فأستجيب له.." بحديث تفرد بروايته حفص بن غياث لم يذكر فيه النزول ولا قوله تعالى المذكور، بل رواه بلفظ:"ثم يأمر مناديًا ينادي يقول: هل من داع.."، وهذا خطأ بيقين؛ لمخالفة حفص لستة من الثقات رووه باللفظ الأول، وهو المحفوظ في
(١) وقد نقلت عبارته تحت الحديث (٦٣٣٢ - الضعيفة) ، ونقلت هناك عن ابن الجوزي أنه فسر الآية كما فسرها البيهقي؛ فهل هو مجسم أيضًا؟!.