مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له ".
وقد أشار الذهبي إلى هذا المعنى الثاني فقال في " سير أعلام النبلاء "
(٩ / ١٧١ / ٢) :
" قلت: لعل أن، يقال: هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم
من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة ".
واعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث: " إنما أنا بشر أرضى كما
يرضى البشر.. " إنما هو تفصيل لقول الله تبارك وتعالى: (قل إنما أنا بشر
مثلكم، يوحى إلي....) الآية.
وقد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء، إلى إنكار مثل هذا الحديث
بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتنزيهه عن النطق به! ولا مجال إلى مثل
هذا الإنكار فإن الحديث صحيح، بل هو عندنا متواتر، فقد رواه مسلم من حديث
عائشة وأم سلمة كما ذكرنا، ومن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما،
وورد من حديث سلمان وأنس وسمرة وأبي الطفيل وأبي سعيد وغيرهم.
انظر " كنز العمال " (٢ / ١٢٤) .
وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعا، إنما يكون بالإيمان بكل ما
جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا، وبذلك يجتمع الإيمان به صلى الله
عليه وسلم عبدا ورسولا، دون إفراط ولا تفريط، فهو صلى الله عليه وسلم بشر،
بشهادة الكتاب والسنة، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث
الصحيحة. وكما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما حباه
الله تعالى به من الأخلاق الكريمة، والخصال الحميدة، التي لم تكتمل في بشر
اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم، وصدق الله العظيم، إذ خاطبه بقوله
الكريم: (وإنك لعلى خلق عظيم) .