وعلى هذا التحقيق فإني أقول: إذا أسقطنا هاتين الروايتين من عين الاعتبار -لجهلنا بحال الإسناد إليهما- فإنه يبقى لدينا روايتان معروفتان لكل من المسند والمرسل، وإذا تذكرنا أن روايتي المسند صحيحتان، وروايتي المرسل إحداهما فقط صحيحة، والأخرى ضعيفة -وهي رواية أيوب المعلولة بالدبري- يترجح بوضوح لا خفاء فيه أن الحديث مسند عن أبي هريرة وأبي الدرداء، بل أستطيع أن أقول بأرجحية المسند حتى لو فرضنا صحة رواية أيوب المرسلة أيضًا؛ لأن المسند معه زيادة من ثقتين، وهي مقبولة في مثل هذه الحالة اتفاقًا.
فلننظر الآن ماذا فعل هذا الجاني على السنة -المضعف للأحاديث الصحيحة- من قلب للحقائق وكتم للعلم؛ ليظهر نفسه أنه محقق غير مقلد في هذا العلم الجليل:
أولًا: كتم رواية معمر الأولى عن أيوب التي ذكرها المزي!
ثانيًا: كتم ضعف روايته الأخرى عن أيوب، وهو يعلم أنها من رواية الدبري عنه، وهو يضعف عادة من هو أوثق منه بكثير إذا روى ما لا يهوى!
ثالثًا: تجاهل صحة إسناد الرواية المسندة عن أبي الدرداء فنسبها للنسائي وكفى!
رابعًا: تغافل عن تصحيح من ذكرنا لرواية أبي هريرة، وعن احتجاج من احتج به من العلماء -كما سبقت الإِشارة إليه- المستلزم لصحة المحتج به كما لا يخفى، فقال الإِمام النووي في "شرح مسلم":
"واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب، قاتل الله واضعها ومخترعها، فإنها بدعة منكرة.." إلخ كلامه الطيب، ونقله عنه الصنعاني والشوكاني وغيرهما وأقروه.
وإن مما يلفت النظر ويسترعي انتباه الباحث أن الرجل في جل الأحاديث التي ضعفها يختم كلامه بذكر موافقة الشيخ شعيب إياه على التضعيف، وقد رابني ذلك