وإليه ذهب
الفخر الرازي في " تفسيره " (٤ / ٣٢٣) وأيده العلامة ملا على القاري في "
مرقاة المفاتيح " (١ / ١٤٠ - ١٤١) وقال عقب كلام الفخر: " قال بعض المحققين
: إن بني آدم من ظهره، فكل ما أخرج من ظهورهم فيما لا يزال إلى يوم القيامة هم
الذين أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم، وأخذ منهم الميثاق الأزلي
ليعرف منه أن النسل المخرج فيما لا يزال من أصلاب بنيه هو المخرج في الأزل من
صلبه، وأخذ منهم الميثاق الأول، وهو المقالي الأزلي، كما أخذ منهم فيما لا
يزال بالتدريج حين أخرجوا الميثاق الثاني، وهو الحالي الإنزالي. والحاصل أن
الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم أحدهما تهتدي إليه العقول من نصب
الأدلة الحاملة على الاعتراف الحالي، وثانيهما المقالي الذي لا يهتدي إليه
العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد،
كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلم الأمة
ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقا آخر أزليا فقال (ما
) قال من مسح ظهر آدم في الأزل وإخراج ذريته وأخذه الميثاق عليهم وبهذا يزول
كثير من الإشكالات، فتأمل فيها حق التأمل ".
وجملة القول أن الحديث صحيح، بل هو متواتر المعنى كما سبق، وأنه لا تعارض
بينه وبين آية أخذ الميثاق، فالواجب ضمه إليها، وأخذ الحقيقة من مجموعها
وقد تجلت لك إن شاء الله مما نقلته لك من كلام العلماء، وبذلك ننجو من
مشكلتين بل مفسدتين كبيرتين:
الأولى: رد الحديث بزعم معارضته للآية.
والأخرى: تأويلها تأويلا يبطل معناها، أشبه ما يكون بتأويل المبتدعة
والمعتزلة. كيف لا وهم أنفسهم الذين أنكروا حقيقة الأخذ والإشهاد والقول
المذكور فيها بدعوى أنها خرجت مخرج التمثيل! وقد عز علي كثيرا أن يتبعهم في
ذلك مثل ابن القيم وابن كثير، خلافا للمعهود منهم من الرد على المبتدعة ما هو
هو دون ذلك من التأويل. والعصمة لله وحده.