فليس من النوع الذي يضعف الحديث به، لأن وجوه الاضطراب ليست
متساوية القوة، كما يعلم ذلك الخبير بعلم مصطلح الحديث. وبالجملة، فاختلاط
سعيد بن عبد العزيز لا يخدج أيضا في صحة الحديث. وأما قول ابن عبد البر في
الحديث ورواية ابن أبي عميرة: " لا تصح صحبته، ولا يثبت إسناد حديثه ".
فهو وإن أقره الحافظ عليه في " التهذيب " فقد رده في " الإصابة " أحسن الرد
متعجبا منه، فقد ساق له في ترجمته عدة أحاديث مصرحا فيها بالسماع من النبي صلى
الله عليه وسلم، ثم قال: " وهذه الأحاديث، وإن كان لا يخلوا إسناد منها من
مقال، فمجموعها يثبت لعبد الرحمن الصحبة، فعجب من قول ابن عبد البر (فذكره)
، وتعقبه ابن فتحون وقال: لا أدري ما هذا؟ فقد رواه مروان بن محمد الطاطري
وأبو مسهر، كلاهما عن ربيعة بن يزيد أنه سمع عبد الرحمن بن أبي عميرة أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ". (قال الحافظ) : " وفات ابن فتحون
أن يقول: هب أن هذا الحديث الذي أشار إليه ابن عبد البر ظهرت له فيه علة
الانقطاع، فما يصنع في بقية الأحاديث المصرحة بسماعه من النبي صلى الله عليه
وسلم؟ ! فما الذي يصحح الصحبة زائدا على هذا، مع أنه ليس للحديث الأول علة
إلا الاضطراب ... " إلخ كلامه المتقدم.
قلت: فلا جرم أن جزم بصحبته أبو حاتم وابن السكن، وذكره البخاري وابن سعد
وابن البرقي وابن حبان وعبد الصمد بن سعيد في " الصحابة " وأبو الحسن بن
سميع في الطبقة الأولى من " الصحابة " الذين نزلوا حمص، كما في " الإصابة "
لابن حجر، فالعجب منه كيف لم يذكر هذه الأقوال أو بعضها على الأقل في
" التهذيب " وهو الأرجح، وذكر فيه قول ابن عبد البر المتقدم وهو المرجوح!
وهذا مما يرشد الباحث إلى أن مجال الاستدراك عليه وعلى غيره من العلماء مفتوح
على قاعدة: كم ترك الأول للآخر! .