أخبرنا أبو حفص وكلثوم بن جبير عن أبي غادية قال: " سمعت عمار بن ياسر
يقع في عثمان يشتمه بالمدينة، قال: فتوعدته بالقتل، قلت: لئن أمكنني الله
منك لأفعلن، فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار،
فرأيت فرجة بين الرئتين وبين الساقين، قال: فحملت عليه فطعنته في ركبته،
قال، فوقع فقتلته، فقيل: قتلت عمار بن ياسر؟ ! وأخبر عمرو بن العاص، فقال
: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، فقيل لعمرو بن العاص:
هو ذا أنت تقاتله؟ فقال: إنما قال: قاتله وسالبه ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وأبو الغادية هو الجهني وهو
صحابي كما أثبت ذلك جمع، وقد قال الحافظ في آخر ترجمته من " الإصابة " بعد أن
ساق الحديث، وجزم ابن معين بأنه قاتل عمار: " والظن بالصحابة في تلك الحروب
أنه كانوا فيها متأولين، وللمجتهد المخطىء أجر، وإذا ثبت هذا في حق آحاد
الناس، فثبوته للصحابة بالطريق الأولى ".
وأقول: هذا حق، لكن تطبيقه على كل فرد من أفرادهم مشكل لأنه يلزم تناقض
القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة، إذ لا يمكن القول بأن أبا غادية القاتل
لعمار مأجور لأنه قتله مجتهدا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قاتل
عمار في النار "! فالصواب أن يقال: إن القاعدة صحيحة إلى ما دل الدليل القاطع
على خلافها، فيستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا وهذا خير من ضرب الحديث
الصحيح بها. والله أعلم. ومن غرائب أبي الغادية هذا ما رواه عبد الله بن
أحمد في " زوائد المسند " (٤ / ٧٦) عن ابن عون عن كلثوم بن جبر قال: " كنا
بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: فإذا عنده رجل يقال له
: أبو الغادية، استسقى ماء، فأتي بإناء مفضض، فأبى أن يشرب، وذكر النبي
صلى الله عليه وسلم، فذكر هذا الحديث: لا ترجعوا بعدي كفارا أو ضلالا - شك
ابن أبي عدي - يضرب