ولو سلمنا أنه لا يوجد في القرآن ما يشهد لها، فهي وحدها كافية لإثبات هذه
العقيدة، والزعم بأن العقيدة لا تثبت بما صح من أحاديث الآحاد زعم باطل دخيل
في الإسلام، لم يقل به أحد من الأئمة الأعلام كالأربعة وغيرهم، بل هو مما
جاء به بعض علماء الكلام، بدون برهان من الله ولا سلطان، وقد كتبنا فصلا
خاصا في هذا الموضوع الخطير في كتاب لنا، أرجو أن أوفق لتبييضه ونشره على
الناس.
٢ - أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ما لا يسمع الناس، وهذا من خصوصياته
عليه الصلاة والسلام، كما أنه كان يرى جبريل ويكلمه والناس لا يرونه ولا
يسمعون كلامه، فقد ثبت في البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال يوما
لعائشة رضي الله عنها: هذا جبريل يقرئك السلام، فقالت: وعليه السلام
يا رسول الله، ترى ما لا نرى. ولكن خصوصياته عليه السلام إنما تثبت بالنص
الصحيح، فلا تثبت بالنص الضعيف ولا بالقياس والأهواء، والناس في هذه
المسألة على طرفي نقيض، فمنهم من ينكر كثيرا من خصوصياته الثابتة بالأسانيد
الصحيحة، إما لأنها غير متواترة بزعمه، وإما لأنها غير معقولة لديه! ومنهم
من يثبت له عليه السلام ما لم يثبت مثل قولهم: إنه أول المخلوقات، وإنه لا
ظل له في الأرض وإنه إذا سار في الرمل لا تؤثر قدمه فيه، بينما إذا داس على
الصخر علم عليه، وغير ذلك من الأباطيل.
والقول الوسط في ذلك أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشر بنص
القرآن والسنة وإجماع الأمة، فلا يجوز أن يعطى له من الصفات والخصوصيات إلا
ما صح به النص في الكتاب والسنة، فإذا ثبت ذلك وجب التسليم له، ولم يجز رده
بفلسفة خاصة علمية أو عقلية، زعموا، ومن المؤسف، أنه قد انتشر في العصر
الحاضر انتشارا مخيفا رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترد من بعض الناس، حتى
ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من
البشر الذين ليسوا معصومين، فهم