فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه،
ثم جلس فافترش رجله اليسرى.. وأشار بالسبابة.. " الحديث. أخرجه أبو داود
والنسائي وأحمد وغيرهم بسند صحيح، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (٧١٦ -
٧١٧) برواية آخرين من الأئمة عن جمع من الثقات عن عاصم، يزيد بعضهم على بعض
، وأتمهم سياقا زائدة بن قدامة وبشر بن المفضل، وهو ثقة ثبت، والسياق له
، ولابن ماجة منه قوله: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فأخذ شماله
بيمينه ". قلت: فإذا نظر الناظر إلى هذه الجملة لوحدها، ولم يعلم، أو على
الأقل لم يستحضر أنها مختصرة من الحديث، فهم منها مشروعية الوضع لليدين في كل
قيام سواء كان قبل الركوع أو بعده، وهذا خطأ يدل عليه سياق الحديث، فإنه
صريح في أن الوضع إنما هو في القيام الأول، وهو في سياق عاصم بن أصرح، فإنه
ذكر رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ثم الركوع والرفع منه، يقول فيهما: مثل
ذلك، فلو كان في حفظ وائل وضع اليدين بعد الرفع لذكره أيضا كما هو ظاهر من
ذكره الرفع ثلاثا قبله، ولكن لما فصلت تلك الجملة عن محلها من الحديث أوهمت
الوضع بعد الرفع، فقال به بعض أفاضل العلماء المعاصرين، دون أن يكون لهم سلف
من السلف الصالح فيما علمت. ومما يؤكد ما ذكرنا رواية ابن إدريس عن عاصم به
مختصرا بلفظ: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كبر أخذ شماله بيمينه "
. ومثل هذا الوهم بسبب الاختصار من بعض الرواة أو عدم ضبطهم للحديث يقع كثير،
ولقد كنت أقول في كثير من محاضراتي ودروسي حول هذا الوضع وسببه: يوشك أن
يأتي رجل ببدعة جديدة اعتمادا منه على حديث مطلق لم يدر أنه مقيد أيضا، ألا
وهي الإشارة بالإصبع في غير التشهد! فقد جاء في " صحيح مسلم " حديثان في
الإشارة بها في التشهد أحدهما من حديث ابن عمر، والآخر من حديث ابن الزبير،
ولكل منهما