يملك الوسيلة
العلمية لتمييز ما صح منه مما لم يصح، وهي نفس الوسيلة التي يميز بها الحديث
الصحيح من الضعيف، ألا وهو الإسناد الذي قال فيه بعض السلف: لولا الإسناد
لقال من شاء ما شاء. ولذلك لما فقدت الأمم الأخرى هذه الوسيلة العظمى امتلأ
تاريخها بالسخافات والخرافات، ولا نذهب بالقراء بعيدا، فهذه كتبهم التي
يسمونها بالكتب المقدسة، اختلط فيها الحامل بالنابل، فلا يستطيعون تمييز
الصحيح من الضعيف مما فيها من الشرائع المنزلة على أنبيائهم، ولا معرفة شيء
من تاريخ حياتهم، أبد الدهر، فهم لا يزالون في ضلالهم يعمهون، وفي دياجير
الظلام يتيهون! فهل يريد منا أولئك الناس أن نستسلم لكل ما يقال: إنه من
التاريخ الإسلامي. ولو أنكره العلماء، ولو لم يرد له ذكر إلا في كتب
العجائز من الرجال والنساء؟ ! وأن نكفر بهذه المزية التي هي من أعلى وأغلى
ما تميز به تاريخ الإسلام؟ ! وأنا أعتقد أن بعضهم لا تخفى عليه المزية ولا
يمكنه أن يكون طالب علم بله عالما دونها، ولكنه يتجاهلها ويغض النظر عنها
سترا لجهله بما لم يصح منه، فيتظاهر بالغيرة على التاريخ الإسلامي، ويبالغ
في الإنكار على من يعرف المسلمين ببعض ما لم يصح منه، بطرا للحق، وغمصا
للناس. والله المستعان. (فائدة) : من المعلوم أن (الدف) من المعازف
المحرمة في الإسلام والمتفق على تحريمها عند الأئمة الأعلام، كالفقهاء
الأربعة وغيرهم وجاء فيها أحاديث صحيحة خرجت بعضها في غير مكان، وتقدم شيء
منها برقم (٩ و ١٨٠٦) ، ولا يحل منها إلا الدف وحده في العرس والعيدين،
فإذا كان كذلك، فكيف أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تفي بنذرها ولا
نذر في معصية الله تعالى. والجواب - والله أعلم - لما كان نذرها مقرونا
بفرحها بقدومه صلى الله عليه وسلم من الغزو سالما، ألحقه صلى الله عليه وسلم
بالضرب على الدف في العرس والعيد وما لا شك فيه، أن الفرح بسلامته