ساقها ابن
جرير (١٠ / ٣٤٦ - ٣٥٧) بأسانيده إلى قائليها، ثم ختم ذلك بقوله (١٠ / ٣٥٨
) : " وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفار
أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون
بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبرا عنهم أولى. فإن قال قائل:
فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله،
فكيف جعلته خاصا؟ قيل: إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله
الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم - على سبيل ما
تركوه - كافرون. وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به هو
بالله كافر، كما قال ابن عباس، لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في
كتابه، نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي ". وجملة القول أن الآية نزلت
في اليهود الجاحدين لما أنزل الله، فمن شاركهم في الجحد، فهو كافر كفرا
اعتقاديا، ومن لم يشاركهم في الجحد فكفره عملي لأنه عمل عملهم، فهو بذلك
مجرم آثم، ولكن لا يخرج بذلك عن الملة كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه.
وقد شرح هذه وزاده بيانا الإمام الحافظ أبو عبيد القاسم ابن سلام في " كتاب
الإيمان " " باب الخروج من الإيمان بالمعاصي " (ص ٨٤ - ٨٧ - بتحقيقي) ،
فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق. وبعد كتابة ما سبق، رأيت شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله يقول في تفسير آية الحكم المتقدمة في " مجموع الفتاوي " (٣ / ٢٦٨) : " أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله ".