والآخر: أنه قد جاء مرفوعا في أحاديث متفرقة
، فهي شواهد قوية له، بل روي بتمامه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فقد قال ابن أبي حاتم في " العلل " (١ / ٣٦ - ٣٧) : " سألت أبي عن حديث رواه
أحمد بن ثابت (فرخويه) عن عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن أبي رشدين
الجندي عن سراقة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أتى أحدكم الغائط
، فلا يستقبل القبلة، واتقوا مجالس اللعن والظل والماء وقارعة الطريق،
واستمرخوا الريح، واستشبوا على سوقكم، وأعدوا النبل "؟ قال أبي: إن ما
يروونه موقوف، وأسنده عبد الرزاق بآخرة ". قلت: كأنه يشير إلى حديث الترجمة
، وقد عرفت أنه في حكم المرفوع، ثم إنه أعله بعبد الرزاق، وأنه رفعه في آخر
عمره، يعني وقد كان تغير حفظه، مع أن الراوي عنه (فرخويه) متهم، فقد قال
ابن أبي حاتم (١ / ١ / ٤٤) : " سمعت أبا العباس بن أبي عبد الله الطهراني
يقول: كانوا لا يشكون أن (فرخويه) كذاب ". قلت: فلعل أبا حاتم لم يعله به
لأنه قد توبع من غيره، فرواه عن عبد الرزاق مرفوعا كما رواه فرخويه، ولذلك
عصب العلة بعبد الرزاق، وعليه فهذه متابعة قوية من عبد الرزاق لرباح بن زيد
الثقة. والله أعلم. وإليك الآن بعض الشواهد المشار إليها آنفا: ١ - عن
سلمان قال: قال لنا المشركون: إني أرى صاحبكم يعلمكم حتى يعلمكم الخراءة!
فقال: أجل، إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، أو يستقبل القبلة.. الحديث.
رواه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما "، وهو مخرج في " الإرواء " (١ / ٨١ -
٨٢) و " صحيح أبي داود " (٥) وهو شاهد قوي لسبب رواية سراقة لحديث الترجمة