وأما البيهقي فقد ضعف الحديث بقوله
بعد أن روى من طريق ليث عن مجاهد قال: فذكره نحوه: " هذا من قول مجاهد، وقد
روي فيه حديث مرفوع غير قوي ". ثم ساقه. ونقله الحافظ في ترجمة مسلم هذا في
" اللسان "، وقال عقبه: " قلت: ليس في إسناده من ينظر فيه غير مسلم هذا ".
قلت: قد عرفت أنه وثقه الخطيب أيضا، وهذا مما فات الحافظ وغيره، فلا داعي
للتردد في تقويته، والله الموفق. وقد يخطر في البال أن الحديث مخالف
لأحاديث صحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع
زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ". أخرجه الشيخان
وغيرهما كما في " الصحيحة " (رقم ٧) . قال الحافظ في " الفتح " (٥ / ٤) :
" فيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي، وقد ورد في المنع منه حديث غير قوي أخرجه
ابن أبي حاتم.. " فذكره. وأقول: قد عرفت أن الحديث قوي فلابد حينئذ من
التوفيق بينه وبين حديث الصحيحين بوجه من وجوه التوفيق المعروفة، كأن يحمل
حديث الترجمة على أن النهي فيه للكراهة كما قالوا في التوفيق بين أحاديث النهي
عن تسمية العنب كرما وبين أحاديث أخرى جاء فيها كقوله صلى الله عليه وسلم: "
الخمر من هاتين الشجرتين: الكرمة والنخلة ". رواه مسلم (٦ / ٨٩) وكحديث
النهي عن بيع الكرم بالزبيب (" انظر " فتح الباري " ٤ / ٣٨٥ - ٣٨٦) .