بنهاوند أرسل إليهم بندار [العلج] أن أرسلوا إلينا يا
معشر العرب رجلا منكم نكلمه، فاختار الناس المغيرة بن شعبة، قال أبي: فكأني
أنظر إليه: رجل طويل أشعر أعور، فأتاه، فلما رجع إلينا سألناه؟ فقال لنا:
وجدت العلج قد استشار أصحابه في أي شيء تأذنون لهذا العربي؟ أبشارتنا وبهجتنا
وملكنا؟ أو نتقشف له فنزهده عما في أيدينا؟ فقالوا: بل نأذن له بأفضل ما
يكون من الشارة والعدة. فلما رأيتهم رأيت تلك الحراب والدرق يلمع منها البصر
، ورأيتهم قياما على رأسه، فإذا هو على سرير من ذهب، وعلى رأسه التاج،
فمضيت كما أنا، ونكست رأسي لأقعد معه على السرير، فقال: فدفعت ونهرت،
فقلت: إن الرسل لا يفعل بهم هذا. فقالوا لي: إنما أنت كلب، أتقعد مع الملك
؟! فقلت: لأنا أشرف في قومي من هذا فيكم، قال: فانتهرني وقال: اجلس.
فجلست. فترجم لي قوله، فقال: يا معشر العرب، إنكم كنتم أطول الناس جوعا،
وأعظم الناس شقاء، وأقذر الناس قذرا، وأبعد الناس دارا، وأبعده من كل
خير، وما كان منعني أن آمر هذه الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب إلا تنجسا
لجيفكم لأنكم أرجاس، فإن تذهبوا يخلى عنكم، وإن تأبوا نبوئكم مصارعكم. قال
المغيرة: فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت: والله ما أخطأت من صفتنا ونعتنا
شيئا، إن كنا لأبعد الناس دارا، وأشد الناس جوعا، وأعظم الناس شقاء،
وأبعد الناس من كل خير، حتى بعث الله إلينا رسولا فوعدنا بالنصر في الدنيا،
والجنة في الآخرة، فلم نزل نتعرف من ربنا - مذ جاءنا رسوله صلى الله عليه وسلم
- الفلاح والنصر، حتى أتيناكم، وإنا والله نرى لكم ملكا وعيشا لا نرجع إلى
ذلك الشقاء أبدا حتى نغلبكم على ما في أيديكم أو نقتل في أرضكم. فقال: أما
الأعور فقد صدقكم الذي في نفسه. فقمت من عنده وقد والله أرعبت العلج جهدي،
فأرسل إلينا العلج: إما أن تعبروا إلينا بنهاوند وإما أن نعبر إليكم. فقال
النعمان: اعبروا