" النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس ".
قلت: وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد
صفوفهم، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية، فلا تعتبر الشريعة
رأي الفرد - ولو كان صوابا في وجهة نظره - في عبادة جماعية كالصوم والتعبيد
وصلاة الجماعة، ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض
وفيهم من يرى أن مس المرأة والعضو وخروج الدم من نواقض الوضوء، ومنهم من
لا يرى ذلك، ومنهم من يتم في السفر، ومنهم من يقصر، فلم يكن اختلافهم هذا
وغيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد، والاعتداد بها،
وذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء، ولقد بلغ
الأمر ببعضهم في عدم الإعتداد بالرأي المخالف لرأى الإمام الأعظم في المجتمع
الأكبر كمنى، إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقا في ذلك المجتمع فرارا مما قد ينتج
من الشر بسبب العمل برأيه، فروى أبو داود (١ / ٣٠٧) أن عثمان رضي الله عنه
صلى بمنى أربعا، فقال عبد الله بن مسعود منكرا عليه: صليت مع النبي صلى الله
عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدرا
من إمارته ثم أتمها، ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين
متقبلتين، ثم إن ابن مسعود صلى أربعا! فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت
أربعا؟ ! قال: الخلاف شر. وسنده صحيح. وروى أحمد (٥ / ١٥٥) نحو هذا عن
أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين.
فليتأمل في هذا الحديث وفي الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في
صلواتهم، ولا يقتدون ببعض أئمة المساجد، وخاصة في صلاة الوتر في رمضان،
بحجة كونهم على خلاف مذهبهم! وبعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك، ممن يصوم
ويفطر وحده متقدما أو متأخرا عن جماعة المسلمين، معتدا برأيه وعلمه، غير
مبال بالخروج عنهم،