إمعان النظر في روايتيهما، كيف لا، وهو الذي ذكر في
ترجمة (سفيان) عن شعبة أنه قال: " سفيان أحفظ مني ". وبذلك جزم جماعة من
الحفاظ كأبي حاتم وأبي زرعة وابن معين وصالح جزرة وغيرهم. وقال يحيى
القطان: " ليس أحد أحب إلي من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان
أخذت بقول سفيان "، انظر " السير " (٧ / ٢٣٧) . وهنا تنبيهات على أوهام:
أولا: لقد ذكر الحديث ابن القيم رحمه الله في " إغاثة اللهفان " بلفظ: " كان
النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا: أصبحنا.. ".
فلما أخرجه (الهدام) في تعليقه عليه (٢ / ٢٣٩) تخريجا مجملا، لبيان الخلاف
المتقدم في إسناده بين سفيان وشعبة ليختمه بقوله: " والذي يظهر أن رواية
شعبة أقرب إلى الصواب، وإسناده صحيح ". فأقول: عليه مؤاخذات: الأولى: أنه
لم يبين للقراء وجه ما استظهره! وهذا شأن العاجز أو الجاهل. وكثيرا ما يفعل
ذلك. الثانية: أن استظهاره باطل ما دام أنه سلك طريق الترجيح، لأنه خلاف قول
شعبة نفسه وأقوال الحفاظ الذين جاؤوا من بعده وشهدوا بشهادته أن رواية سفيان
عند الاختلاف أرجح من روايته كما تقدم، وهذا من الأدلة الكثيرة على أنه يركب
رأسه، ويخالف أئمته، ولا يبالي بهم أية مبالاة!