" ولأن ذلك إجماع المسلمين؛ فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا مُنع ميراث مورِّثه، ولا فُرِّقَ بين زوجين لِتَرْكِ الصلاة من أحدهما- مع كثرة تاركي الصلاة-! ولوكفر لثبتت هذه الأحكام، ولا نعلم خلافاً بين المسلمين أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها مع اختلافهم في المرتد (١) . وأما الأحاديث المتقدمة (يعني: التي احتج بها المكفرون كحديث: " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة "؛ فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة؛ كقوله- صلى الله عليه وسلم -: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر".. وأشباه هذه مما أريد به التشديد في الوعيد. قال شيخنا رحمه الله (يعني: الموفق المقدسي) : وهذا أصوب القولين. والله أعلم ".
قلت: ونقله الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في حاشيته على "المقنع " لابن قدامة (١/٩٥- ٩٦) مقراً له.
ومع تصريح الإمام الشوكاني في "السيل الجرار"(١/٢٩٢) بتكفير تارك الصلاة عمداً، وأنه يستحق القتل، ويجب على إمام المسلمين قتله؛ فقد بين في "نيل الأوطار" أنه لا يعني كفراً لا يغفر، فقال بعد أن حكى أقوال العلماء واختلافهم، وذكر شيئاً من أدلتهم (١/ ٢٥٤- ٢٥٥) :
" والحق أنه كافر يقتل، أما كفره؛ فلأن الأحاديث صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم (!) وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الإطلاق.
ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون؛ لأنا نقول: لايمنع أن
(١) قلت: الراجح أنه لا يقضي؛ كما حققه ابن تيمية رحمه الله (٢٢/٤٦) .