قلت: ففي قولهما تلميح لطيف إلى أنه ليس لديهما حجة علمية في التوهيم المذكور، وإنما هو الرأي فقط، وبمثله لا ينبغي أن يخطَّأ الثقة؛ لأن تفرده حجة إلا عند المخالفة لمن هو أوثق منه وأحفظ، وهي مفقودة هنا، ولقد أصاب الترمذي رحمه الله حينما جمع في كلمته السابقة بين تصحيح الحديث، والحكم عليه بالغرابة؛ لأنه الأصل المصرح به في علم المصطلح كما هو معروف عند العلماء، ولولا ذلك صارت الأحاديث الصحيحة عُرضةً للتضعيف لمجرد التفرد وهذا خُلف، وبخاصة أن الطريق الأخرى هي بإسناد آخر ورجال آخرين؛ فهي تؤيد رواية حفص وتشد من أزره، وتدل على أنه قد حفظ. والله أعلم.
وفي الحديث فائدة هامة، وهي جواز الأكل ماشياً، بخلاف الشرب قائماً؛
فإنه منهي عنه كما ثبت في"صحيح مسلم"وغيره، وقد سبق تخريج بعضها في المجلد الأول (رقم ١٧٧) ، وذكرت هناك اختلاف العلماء في حكمه مرجِّحاً التحريم؛ لزجره - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائماً وغيره مما يؤيده؛ فراجعه.
ولا يجوز معارضة ذلك بأحاديث شربه - صلى الله عليه وسلم - قائماً؛ لأنها وقعت إما على البراءة الأصلية، وإما لعذر، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له؛ فليراجعها من شاء (٣٢/٢٠٩- ٠ ٢١) .
ثم أوقفني بعض الإخوان- جزاه الله خيراً- على إعلال أبي حاتم أيضاً
للحديث، بعلة غريبة، فقال ابنه في "العلل "(٢/٩/١٥٠٠) :
"سألت أبي عن حديث رواه محمد بن آدم بن سليمان المصِّيصي عن حفص
ابن غياث ... (فذكر الحديث) ؟ قال أبي: قد تابعه على روايته ابن أبي شيبة عن حفص، وإنما هو حفص عن محمد بن عبيد الله العرزمي، وهذا حديث لا أصل له بهذا الإسناد".