زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم
ظاهرة، وحججهم قاهرة. وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، وتستحسن رأيا
تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والرسول
فئتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء.
يقبل منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه العدول. حفظة الدين
وخزنته، وأوعية العلم وحملته، إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع، فما
حكموا به فهو المقبول المسموع. منهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد
في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارىء متقن، وخطيب محسن. وهم الجمهور العظيم
وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير
مذاهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمهم الله، ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم
من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر
الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير. (ثم ساق الحديث من
رواية قرة ثم روى بسنده عن علي بن المديني أنه قال: هم أهل الحديث والذين
يتعاهدون مذاهب الرسول، ويذبون عن العلم لولاهم لم تجد عند المعتزلة
والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئا من السنن: قال الخطيب) فقد
جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين، وصرف عنهم كيد العاندين،
لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين، فشأنهم حفظ
الآثار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار في اقتباس ما شرع
الرسول المصطفى، لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى. قبلوا شريعته قولا وفعلا،
وحرسوا سنته حفظا ونقلا، حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها،
وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذب بأصحاب
الحديث عنها، فهم الحفاظ