هذا قاله في حق مكة، وهو فيها بعد فتحها، وذاك قاله في المشركين المنهزمين عن الخندق، وهو - صلى الله عليه وسلم - في المدينة؛ وكلاهما صحيح والحمد لله، وإنما يختلفان من حيث وضوح المراد منهما؛ فإن هذا أشكل على بعضهم، كما شرحه الإمام أبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار"(٢/٢٢٧- ٢٢٩) .
فمعنى الفقرة الأولى منه:"لا تكفر قريش- سكان مكة يومئذ- حتى تغزى على الكفر"؛ كقوله في تمامه:"ولا يقتل قرشي.. " أي: لا يرتد فيقتل صبراً.
وأما حديث الترجمة؛ فهو كما قال الحافظ في "الفتح ":
"علم من أعلام النبوة؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في السنة المقبلة، فصدَّته قريش عن البيت، ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها، فكان ذلك سبب فتح مكة، فوقع
الأمر كما قال - صلى الله عليه وسلم -".
(تنبيه) : حديث غزو مكة من رواية الحارث بن البرصاء عزاه الحافظ في ترجمة (الحارث) من"الإصابة "للترمذي وابن حبان وصححاه! وما أظن عزوه لابن حبان إلاّ وهماً؛ لأن المتبادر منه أنه يعني "صحيح ابن حبان " ولم نره في ترتيبه المسمى بـ"الإحسان "للأمير علاء الدين الفارسي، ولا في ترتيب زوائده المعروف بـ"موارد الظمآن "للحافظ الهيثمي، وليس له في "الإحسان " إلا حديث واحد في اليمين الفاجرة، هو في "الإحسان "(٧/٣٠٣- ٣٠٤) ، وهو في "الموارد" برقم (١١٨٩) ، فلو كان الحديث في "صحيح ابن حبان "؛ لأورده الهيثمي إن شاء الله في "موارد الظمآن ".
وبياناً للحقيقة أقول: ما ذكرته عن الموارد إنما هو من باب الاستشهاد لا