فأحسب أنه صادق؛ فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم؛ فإنما هي قطعة من النار، فليحملها أو يذرها". متفق عليه- واللفظ لمسلم-، وهو مخرج في
"الصحيحة" (٤٥٥) ، و"الإرواء" (١٤٢٣) ، (٨/٢٥٨/٢٦٣٥) عن أم سلمة. والمقصود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حكمه على الناس أو بين الناس؛ إنما يحكم
بمقتضى كونه بشراً، وليس بحكم كونه نبياً معصوماً، ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا
قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله "؟! متفق عليه، وهو مخرج فيما تقدم برقم (٤٠٧) .
ولهذا؛ قال الحافظ ابن حجر في "الفتح "، وهو يذكر فوائد حديث أم سلمة (١٣/١٧٤) :
"وفيه: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقضي بالاجتهاد فيما لم يُنزل عليه شيء، وخالف في ذلك قوم، وهذا الحديث من أصرح ما يُحتج به عليهم، وفيه أنه ربما أداه اجتهاده إلى أمر يحكم به، ويكون في الباطن بخلاف ذلك؛ لكن مثل ذلك- لو وقع- لم
يُقرَّ عليه - صلى الله عليه وسلم -؛لثبوت عصمته ".
وعلى هذا الوجه من العلم الصحيح والفهم الرجيح: يُخرَّج حديث الرجل المتهم، ويبطل ما ادعاه الغزالي من الاستحالة فيه، ويتبين لكل باحث لبيب أن الرجل مفلس من العلم النافع، فلا هو من أهل الفقه، ولا من أهل الحديث (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) !
وإن مما يؤكد ذلك: موقفه من الحديث التالي وطعنه فيه؛ مع اعترافه بصحة سنده، ونقضه للقاعدة التي ذكرها بين يديه! *