وأيضاً؛ فالشيطان لا يُرى بحكم قوله تعالى:(إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) ، فناسب أن لا يذكر مروره في الحديث، وعدم الأمر بإعادة الصلاة، بخلاف الحديث الأول؛ فإنها أجناس مرئية فناسب الأمر بالإعادة، فاختلفا من هذه الناحية أيضاً.
فإن قيل: إذا كان الأمر كما ذكرت " فما فائدة الأمر باتخاذ السترة؟! فأقول:
الأمر تعبدي محض، وسبب شرعي غير معقول المعنى للمحافظة على صحة الصلاة في الحديث الأول، وسلامتها من وسوسة الشيطان وتعريضه إياها للفساد، أو على الأقل لنقص الخشوع فيها في الحديث الآخر.
وأيضاً؛ فإن مما يؤكد بطلان ذلك التنظير وفساده: أنه لا يجعل لذكر الأنواع الثلاثة معنى، بل يجعله لغواً، وهذا مما يتنزه عنه كلام من هو أفصح من نطق بالضاد، إذ لا فرق- من حيث شَغلُ البال عن الخشوع- بين أن يكون المار رجلاً أو امرأة، وبين أن تكون امرأة حائضاً (أي: بالغة) وبين أن تكون غير بالغة، كما لا فرق بين أن يكون حماراً أو بغلاً، كلباً أو هراً، كلباً أسود أو غيره؛ إذ كل ذلك يشغل! وسواء كان المرور بين المصلي والسترة أو من ورائها بعيداً عنها أو محتكاً بها! بل لا فرق في ذلك كله بين اتخاذ السترة وتركها؛ إذ الفساد المدعى أو انشغال البال حاصل في كل هذه الأحوال.
وإن مما لا شك فيه أن ما لزم منه باطل فهو باطل، فكيف بما لزم منه بواطيل
من التسوية بين ما يرى وما لا يرى في الحكم، وإلغاء الفرق بين الأجناس المذكورة في الحديث وما لم يذكر فيه، وإلغاء الأمر بالسترة من أصله؟! ولذلك قلت في مطلع الرد على كلام الإمام: