ومع ذلك؛ فإنه لم يرد قول أبي داود الصريح بسماع القرظي من ابن مسعود والآخرين معه، بل إنه أشار إشارة قوية إلى تمريض القول المخالف له؛ فإنه لما ذكر في مطلع ترجمته جماعة من الصحابة الذين روى عنهم، وفيهم هؤلاء الثلاثة؛ عقب على ذلك بقوله:
"يقال: إن الجميع مرسل ".
وهو قول الحافظ المزي في "تهذيبه "، ولذلك رأيت الحافظ العلائي في "جامع التحصيل "(ص ٣٢٩) يعقب على قول أبي داود الصريح بالسماع بقوله:
"وهذا هو الصحيح ... "
ثم احتج له بهذا الحديث، مشيراً إلى صحته، ومبطلاً لقول من قد يقول بانقطاع إسناده!
ويخطر في البال أن المخالف شعر أن ما تشبث به لا يكفي لإثبات الانقطاع، فلجأ إلى شيء بديع لم يتنبه له أولئك الحفاظ! ألا وهو الاحتجاج بما ذكروه من تاريخ ولادة (محمد بن كعب القرظي) ، وهو سنة (٤٠) على أكثر ما قيل، وما ذكروه في وفاة ابن مسعود، وهي سنة (٣٣) على أكثر الأقوال؛ وعليه قال (ص ٩٩) :
"وأي ذلك كان الصواب؛ فإنه ولد قطعاً بعد موت ابن مسعود"!
فأقول: أثبت العرش ثم انقش؛ فإن الأقوال التي قيلت في تاريخ ولادته هي أقوال معلقة لا زمام لها ولا خطام، فالاعتماد عليها فاسد الاعتبار في مثل هذا المجال، وأتعجب منه! لقد رد قول قتيبة: بلغني.. المتقدم بأنه عن مجهول فهو شاذ غير مقبول، رده لأنه يثبت اتصال سند الحديث الذي رفضه، والآن تشبث بالتاريخ الذي لا سند له؛ لأنه يؤيد الانقطاع الذي زعمه!! وأعل به رواية الثقة