قلت: وهذا هو التحقيق فشد عليه بالنواجذ. ومما يدل على أن غير الماء لا
يجزىء في دم الحيض قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني: " يكفيك الماء "
فإن مفهومه أن غير الماء لا يكفي. فتأمل.
الثاني: أنه يجب غسل دم الحيض ولو قل، لعموم الأمر، وهل يجب استعمال شيء
من المواد لقطع أثر النجاسة كالسدر والصابون ونحوهما؟ فذهب الحنفية وغيرهم
إلى عدم الوجوب مستدلين بعدم ورود الحاد في الحديثين الأولين، وذهب الشافعي
والعترة كما في " نيل الأوطار " (١ / ٣٥ - ٣٦) إلى الوجوب واستدلوا بالأمر
بالسدر في الحديث الثالث وهو من المواد، وجنح إلى هذا الصنعاني فقال في
" سبل السلام " (١ / ٥٥) ردا على الشارح المغربي في قوله " والقول الأول
أظهر ":
" وقد يقال: قد ورد الأمر بالغسل لدم الحيض بالماء والسدر، والسدر من
الحواد والحديث، الوارد به في غاية الصحة كما عرفت، فيقيد به ما أطلق في
غيره (كالحديثين السابقين) ويخص الحاد بدم الحيض، ولا يقاس عليه غيره من
النجاسات، وذلك لعدم تحقق شروط القياس، ويحمل حديث " ولا يضرك أثره "،
وقول عائشة: " فلم يذهب " أي بعد الحاد ".
قلت: وهذا هو الأقرب إلى ظاهر الحديث، ومن الغريب أن ابن حزم لم يتعرض له
في " المحلى " (١ / ١٠٢) بذكر، فكأنه لم يبلغه.
الثالث: أن دم الحيض نجس للأمر بغسله، وعليه الإجماع كما ذكره الشوكاني
(١ / ٣٥) عن النووي، وأما سائر الدماء فلا أعلم نجاستها اللهم إلا ما ذكره
القرطبي في " تفسيره " (٢ / ٢٢١) من " اتفقا العلماء على نجاسة الدم ".
هكذا قال " الدم " فأطلقه، وفيه نظر من وجهين:
الأول: أن ابن رشد ذكر ذلك مقيدا، فقال في " البداية " (١ / ٦٢) :