آنفا. وأما تعقب العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " الروضة " بقوله:
" هذا خطأ من المؤلف والشارح، فإن نجاسة دم الحيض ليست لأنه دم حيض بل لمطلق
الدم، والمتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهوما أن الدم نجس، ولو لم يأت لفظ
صريح بذلك، وقد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة ".
قلت: فهذا تعقب لا طائل تحته، لأنه ليس فيه إلا مجرد الدعوى، وإلا فأين
الدليل على نجاسة دم الحيض ليس لأنه دم حيض بل لمطلق الدم؟ ولو كان هناك دليل
على هذا لذكره هو نفسه ولما خفي إن شاء الله تعالى على الشوكاني وصديق خان
وغيرهما. ومما يؤيد ما ذكرته أن ابن حزم على سعة اطلاعه لم يجد دليلا على
نجاسة الدم مطلقا، إلا حديثا واحدا وهو إنما يدل على نجاسة دم الحيض فقط كما
سيأتي بيانه، فلو كان عنده غيره لأورده، كما هي عادته في استقصاء الأدلة لا
سيما ما كان منها مؤيدا لمذهبه.
وأما قول الشيخ أحمد شاكر:
" والمتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهموما أن الدم نجس ".
فهو مجرد دعوى أيضا، وشيء لم أشعر به البتة فيما وقفت عليه من الأحاديث بل
وجدت فيها ما يبطل هذه الدعوى كما سبق في حديث الأنصاري وحديث ابن مسعود.
ومثل ذلك قوله:
" وقد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة ".
فما علمنا أن للفطرة مدخلا في معرفة النجاسات في عرف الشارع، ألا ترى أن
الشارع حكم بطهارة المني، ونجاسة المذي، فهل هذا مما يمكن معرفته بالفطرة،
وكذلك ذهب الجمهور إلى نجاسة الخمر، وإنها تطهر إذا تخللت، فهل هذا مما
يمكن معرفته بالفطرة؟ اللهم لا. فلو أنه قال " ما هو قذر " ولم يزد لكان
مسلما. والله تعالى ولي الهداية والتوفيق.