وهذا التفسير للمخابرة؛ الظاهر أنه من زيد بن ثابت، فهو الذي ينبغي أن يعتمد من بين الأقوال التي ذكرها ابن الأثير في "النهاية"؛ لأنه تفسير صحابي، وراو للحديث؛ فهو أدرى بمرويّه من غيره.
وقد جاء بيان سبب نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة في طريق آخر؛ يرويه عروة بن الزبير قال؛ قال زيد بن ثابت:
يغفر الله لرافع بن خديج! أنا والله أعلم بالحديث منه؛ إنما أتى رجلان اقتتلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن كان هذا شأنكم؛ فلا تكروا المزارع ". قال: فسمع رافع قوله: "لا تكروا المزارع".
أخرجه أحمد (٥/١٨٢ و١٨٧) ، وسنده حسن.
قلت: وهذه الرواية تفيدنا فائدة هامة، وهي أن النهي عن (المخابرة) ليس لذاتها، وإنما ما قد ينتج من النزاع بين صاحب الأرض والمستأجر، وما ذاك إلا بسبب شروط توضع من أحد الفريقين غير مشروعة فيقع النزاع. وهذا هو ما أفادته مجموع روايات حديث رافع بن خديج، كما كنت حققته في "إرواء الغليل "(٥/٢٩٧- ٣٠٢) ، ومن أبينها رواية لمسلم وغيره من طريق حنظلة بن قيس قال:
سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؟ فقال:
لا بأس به؛ إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الماذيانات وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا، ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، وأما شيء مضمون؛ فلا بأس به. *