خرجت حديث
الطحاوي هذا لتضمنه علة النهي، فهو يرجح قولا واحدا من الأقوال التي قيلت في
تحديدها، فجاء في " الفتح " (١٠ / ٢٦١) :
" قال الخطابي: الحكمة في النهي أن النعل شرعت لوقاية الرجل عما يكون في الأرض
من شوك أو نحوه، فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه
ما لا يتوقى للأخرى فيخرج بذلك عن سجية مشيه، ولا يأمن مع ذلك من العثار.
وقيل: لأنه لم يعدل بين جوارحه، وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي
أو ضعفه. وقال ابن العربي: قيل: العلة فيها أنها مشية الشيطان، وقيل:
لأنها خارجة عن الاعتدال. وقال البيهقي: الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار
لمن ترى ذلك منه، وقد ورد النهي عن الشهرة في اللباس، فكل شيء صير صاحبه
شهرة فحقه أن يجتنب ".
فأقول: الصحيح من هذه الأقوال، هو الذي حكاه ابن العربي أنها مشية الشيطان.
وتصديره إياه بقوله: " قيل " مما يشعر بتضعيفه، وذلك معناه أنه لم يقف على
هذا الحديث الصحيح المؤيد لهذا " القيل "، ولو وقف عليه لما وسعه إلا الجزم
به. وكذلك سكوت الحافظ عليه يشعرنا أنه لم يقف عليه أيضا، وإلا لذكره على
طريقته في جمع الأحاديث وذكر أطرافها المناسبة للباب، لاسيما وليس في تعيين
العلة وتحديدها سواه.
فخذها فائدة نفيسة عزيزة ربما لا تراها في غير هذا المكان، يعود الفضل فيها
إلى الإمام أبي جعفر الطحاوي، فهو الذي حفظها لنا بإسناد صحيح في كتابه دون
عشرات الكتب الأخرى لغيره.
(تنبيه) أما الحديث الذي رواه ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة
قالت:
" ربما مشى النبي صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة ".
فهو ضعيف لا يحتج به.
أخرجه الترمذي (١ / ٣٢٩) من طريق هريم بن سفيان البجلي الكوفي والطحاوي من
طريق مندل كلاهما عن ليث به.