وليس عنده قوله في آخره: " من استطاع ... " خلافا لما فعل السيوطي في
" الجامع الصغير " فإنه عزاه لأحمد ومسلم وابن ماجه! وكذلك صنع في
" الكبير " (٢ / ٢١٧ / ٢) وزاد في التخريج: عبد بن حميد وابن حبان وابن
عساكر.
وعزاه قبل ذلك بأحاديث للخرائطي في مكارم الأخلاق عن الحسن مرسلا!
وقد أخرجه عن جابر موصولا كما رأيت.
وفي الحديث استحباب رقية المسلم لأخيه المسلم بما لا بأس به من الرقى، وذلك
ما كان معناه مفهوما مشروعا، وأما الرقى بما لا يعقل معناه من الألفاظ فغير
جائز. قال المناوي:
" وقد تمسك ناس بهذا العموم، فأجازوا كل رقية جربت منفعتها، وإن لم يعقل
معناها، لكن دل حديث عوف الماضي أن ما يؤدي إلى شرك يمنع، وما لا يعرف معناه
لا يؤمن أن يؤدي إليه، فيمنع احتياطا ".
قلت: ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمح لآل عمرو بن حزم بأن
يرقي إلا بعد أن اطلع على صفة الرقية، ورآها مما لا بأس به. بل إن الحديث
بروايته الثانية من طريق أبي سفيان نص في المنع مما لا يعرف من الرقى، لأنه
صلى الله عليه وسلم نهى نهيا عاما أول الأمر، ثم رخص فيما تبين أنه لا بأس به
من الرقى، وما لا يعقل معناه منها لا سبيل إلى الحكم عليها بأنه لا بأس بها،
فتبقى في عموم المنع. فتأمل.
وأما الاسترقاء، وهو طلب الرقية من الغير، فهو وإن كان جائزا، فهو مكروه
كما يدل عليه حديث " هم الذين لا يسترقون ... ولا يكتوون، ولا يتطيرون،
وعلى ربهم يتوكلون " متفق عليه.
وأما ما وقع من الزيادة في رواية لمسلم:
" هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ... "
فهي زيادة شاذة، ولا مجال لتفصيل القول في ذلك الآن من الناحية الحديثية،
وحسبك أنها تنافي ما دل عليه هذا الحديث من استحباب الترقية.
وبالله التوفيق.