غريب فرد، ويؤيده قوله عقبه:
" لا يروى من طريق غيره ". فإن كان أراد هذا فلا إشكال، وإن أراد التضعيف
فلا وجه له، لاسيما وهو موافق لحديث عائشة الصحيح، فأين النكارة؟ !
وجملة القول أن الحديث صحيح الإسناد، ولا إشكال في متنه خلافا لظن الأستاذ
الأفغاني، فإن غاية ما فيه أن عائشة رضي الله عنها لما علمت بالحوأب كان عليها
أن ترجع، والحديث يدل أنها لم ترجع! وهذا مما لا يليق أن ينسب لأم المؤمنين.
وجوابنا على ذلك أنه ليس كل ما يقع من الكمل يكون لائقا بهم، إذ لا عصمة إلا
لله وحده.
والسني لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصاف الأئمة الشيعة
المعصومين! ولا نشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله ولذلك همت بالرجوع
حين علمت بتحقق نبؤة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوأب، ولكن الزبير رضي
الله عنه أقنعها بترك الرجوع بقوله " عسى الله أن يصلح بك بين الناس " ولا نشك
أنه كان مخطئا في ذلك أيضا.
والعقل يقطع بأنه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين
وقع فيهما مئات القتلى ولا شك أن عائشة رضي الله عنها المخطئة لأسباب كثيرة
وأدلة واضحة، ومنها ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها،
وذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور بل المأجور.
قال الإمام الزيلعي في " نصب الراية " (٤ / ٦٩ - ٧٠) :
" وقد أظهرت عائشة الندم، كما أخرجه ابن عبد البر في " كتاب الإستيعاب "
عن ابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال:
قالت عائشة لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال:
رأيت رجلا غلب عليك - يعني ابن الزبير - فقالت: أما والله لو نهيتني ما خرجت
انتهى ".