البخيل " يشعر أن الكراهة أو الحرمة خاص بنذر المجازاة أو المعاوضة، دون نذر
الابتداء والتبرر، فهو قربة محضة، لأن للناذر فيه غرضا صحيحا وهو أن يثاب
عليه ثواب الواجب، وهو فوق ثواب التطوع. وهذا النذر هو المراد - والله
أعلم - بقوله تعالى (يوفون بالنذر) دون الأول.
قال الحافظ في " الفتح " (١١ / ٥٠٠) :
" وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى (يوفون بالنذر) قال:
كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة ومما
افترض عليهم فسماهم الله أبرارا، وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر
المجازاة ".
وقال قبل ذلك: " وجزم القرطبي في " المفهم " بحمل ما ورد في الأحاديث من
النهي، على نذر المجازاة، فقال:
هذا النهي محله أن يقول مثلا: إن شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا.
ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكورة على حصول الغرض المذكور ظهر
أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى لما صدر منه، بل سلك فيه مسلك
المعاوضة، ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه، وهذه
حالة البخيل، فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبا
وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث بقوله:
" وإنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه ". وقد ينضم إلى هذا
اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض
لأجل ذلك النذر، وإليهما الإشارة بقوله في الحديث أيضا " فإن النذر لا يرد من
قدر الله شيئا ". والحالة الأولى تقارب الكفر، والثانية خطأ صريح ".
قال الحافظ: