فكيف يصح مع هذا قول الشيخ:"إن الأئمة ما زالوا يضعفون أحاديث الغافقي"؟!
وأما ابن لهيعة، فقد أجمل الكلام فيه ولم يفصِّل، فأوهم القراء أنه لا يحتج بحديثه مطلقاً، وليس كذلك، فقد صرحوا بصحه حديثه إذا روى عنه أحد العبادلة، فكان على الشيخ أن يُقيد ولا يطلِق، وأن يتتبع طرق الحديث في مكتبته العامرة لعله يجد له طريقاً من رواية أحدهم، وقد وفقني الله تعالى فأوقفني على رواية ابن وهب عنه. أخرجه الفَسَوي في "التاريخ والمعرفة"(٢/٣٠١) وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(١/١١٤ طبع دمشق) . فصح الحديث والحمد لله من هذه الطريق وحدها، فكيف وقد تابعه الغافقي، وهو ثقة حسن الحديث كما تقدم، فكيف وقد تابعهما عمرو بن الحارث الحافظ الثقة الفقيه كما سيأتي بيانه هناك.
ثانياً: تغافل الشيخ رحمه الله أو غفل عن قاعدة تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد، وهذا مما يقع فيه كثير من الناشئين الناقدين مع الأسف، فإن ابن لهيعة ممن يستشهد به عند العلماء، ومن الغرائب أن الشيخ نفسه ذكر أن مسلماً أخرج له مقروناً، فلم يشعر رحمه الله أنه ينقل ما هو حجة عليه!
ثالثاً وأخيراً: ومن عجائبه أنه أعل الحديث أيضاً بأن في سند الحاكم الحارث بن أبي أسامة، ومع أنه وهم في تضعيفه كما أثبت هناك، فقد غفل أيضاً عن كون الحاكم قرنه مع ثقتين آخرين، فلو أنه كان ضعيفاً -كما زعم- لم يضر في صحة الحديث، فإنه متابع منهما ومن غيرهما كما بينت هناك.
وهناك أمور أخرى من الأخطاء والأوهام ستمر بالقارىء إن شاء الله تعالى، وإنما اقتصرت على ذكر ما يتعلق بتضعيفه للحديث، دفاعاً عن حَمَلة الحديث وتصحيحاً له، وتذكيراً بأن الكتابة في هذا العلم الشريف تصحيحاً