للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ الْقُرْآنِ» ، أَرَادَ بِهِ: بِأَفْضَلِ الْقُرْآنِ لَكَ، لَا أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ، لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَفَاوُتُ التَّفَاضُلِ (١) .


= أيوب، عن أبي حاتم الرازي، عن علي بن عبد الحميد المعني، به.
ويشهد له حديث أبي هريرة عن أبي بن كعب، الوارد بعد هذا الحديث، وحديث أبي سعيد بن المعلى الوارد برقم (٧٧٧) ، وحديث عبد الله بن جابر عند أحمد ٤/١٧٧.
(١) هذا الذي انتهى إليه المؤلف هو مذهب الأشعري، وأبي بكر بن الطيب، وابن أبي زيد، والداوودي، وأبي الحسن القابسي وغير واحد من أهل السنة، وذهب طوائف من السلف والخلف إلى أن بعض كلام الله أفضل من بعض كما نطقت به النصوص النبوية، فقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - عن الفاتحة أنه لم ينزل في الكتب الثلاثة مثلها، وأخبر عن سورة الإِخلاص أنها تعدل ثلث القرآن، وعدلها لثلثه يمنع مساواتها لمقدارها في الحروف، وجعل آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وقد قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} فأخبر أنه يأتي بخير منها أو مثلها، وهذا بيان من الله لكون تلك الآية قد يأتي بمثلها تارة أو خير منها أخرى، فدل ذلك على أن الآيات تتماثل تارة وتتفاضل أخرى.
والقرآن كلام الله، والكلام يشرف بالمتكلم به سواء كان خبراً أو أمراً، فالخبر يشرف بشرف المخبر، وبشرف المخبر عنه، والأمر يشرف بشرف الآمر، وبشرف المأمور به، فالقرآن وإن كان كله مشتركاً، فإن الله تكلم به، لكن منه ما أخبر به عن نفسه، ومنه ما أخبر به عن خلقه، ومنه ما أمرهم به، فمنه ما أمرهم فيه بالإيمان، ونهاهم فيه عن الشرك، ومنه ما أمرهم فيه بكتابة الدين، ونهاهم فيه عن الربا، ومعلوم أن ما أخبر به عن نفسه كـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أعظم مما أخبر به عن خلقه كـ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وما أمر فيه بالإِيمان وما نهى فيه عن الشرك أعظم مما أمر فيه بكتابة الدين ونهى فيه عن الربا. ولشيخ الإِسلام رحمه الله في ترجيح هذا القول وتقويته كتاب أسماه " جواب أهل العلم والإِيمان أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " وهو مطبوع على حدة، ومدرج في الفتاوى في المجلد (١٧) من ص ٥ إلى ص ٢٠٦، وقد أفاد فيه وأجاد، وذكر فيه من الحجج الواضحات، والأدلة النيرات ما يثلج الصدر، ويطمئن الفؤاد كدأبه رحمه الله في أكثر ما يتعرض له من مسائل وبحوث.

<<  <  ج: ص:  >  >>