للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذِكْرُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ تَرْكِ الِاتِّكَالِ عَلَى قَضَاءِ اللَّهِ دُونَ التَّشْمِيرِ فِيمَا يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ

٣٣٤ - أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ فقَالَ "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ" فقَال رَجُلٌ أَلَا نَتَّكِلُ فقَالَ "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ" ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} ١


١ إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو عبد الرحمن السلمي: اسمه عبد الله بن حبيب.
وأخرجه البخاري "٤٩٤٩" في التفسير: باب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} عن آدم، و"٦٢١٧" في الأدب: باب الرجُل ينكت الشيء بيده في الأرض، من طريق ابن أبي عدي، كلاهما عن شعبة، بهذا الإسناد.
وسيورده المؤلف بعده من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، به، ويرد تخريجه هناك.
وأخرجه أحمد ١/٨٢ و٣١٢، ١٣٣، والبخاري "٤٩٤٧" في التفسير: باب {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} ، ومسلم "٢٦٤٧" في القدر: باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه، والترمذي "٢١٣٦" في القدر: باب ما جاء في الشقاء والسعادة، وابن ماجة "٧٨" في المقدمة: باب في القدر، من طريق أبي معاوية ووكيع وابن نمير، والبخاري "٤٩٤٥"في القدر، من طريق أبي معاوية ووكيع وابن نمير، والبخاري "٤٩٤٥" في التفسير: باب {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} من طريق سفيان، وباب {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} من طريق عبد الواحد، و"٦٦٠٥" في القدر: باب {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} من طريق أبي حمزة، والآجري في "الشريعة" ص ١٧٢ من طريق علي بن مسهر، كلهم عن الأعمش، بهذا الإسناد.
وقد تابع الأعمشَ عليه منصور بن المعتمر، فقد أخرجه عبد الرزاق "٢٠٠٧٤" ومن طريقه البغوي في "شرح السُّنة" "٧٢" عن معمر، والبخاري "١٣٦٢" في الجنائز: باب موعظة المحدث عن القبور وقعود أصحابه حوله، و"٤٩٤٨" في التفسير: باب {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} ، ومسلم "٢٦٤٧" أيضاً، والآجري في "الشريعة" ص ١٧١ من طريق جرير بن عبد الحميد، وأحمد ١/١٢٩ من طريق عبد الرحمن بن زائدة، وأبو داود "٤٦٩٤" في السنة: باب في القدر، من طريق المعتمر، والترمذي "٣٣٤٤" في التفسير: باب ومن سورة والليل إذا يغشى، من طريق زائدة بن قدامة، والبخاري "٦٢١٧"أيضاً، و"٧٥٥٢" في التوحيد: باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} من طريق شعبة، والآجري في "الشريعة" ص ١٧١ من طريق أبي الأحوص، كلهم عن منصور بن المعتمر، عن سعد بن عبيدة، به.
قال البغوي في "شرح السُّنة" ١/١٣٣: ذكر الخطابي على هذا الحديث كلاماً معناه: قال: قولهم: "أفلا نتَّكِلُ على كتابنا وندعُ العمل"؟ مطالبة منهم بأمرٍ يوجب تعطيل العبودية، وذلك أن إخبار النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن سابق الكتاب إخبار عن غيب علم الله سبحانه وتعالى فيهم، وهو حجَّة عليهم، فرام القوم أن يتخذوه حجة لأنفسهم في ترك العمل، فأعلمهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن هاهنا أمرين لا يُبْطِلُ أحدهما الآخرَ: باطن هو العلة الموجبة في حكم الربوبية، وظاهر هو السِّمةُ اللازمة في حق العبودية، وهو أمارة مخيلة غير مفيدة حقيقة العلم، ويشبه أن يكون- والله أعلم- إنما عوملوا بهذه المعاملة، وتُعُبِّدوا بهذا التَّعبُّد؛ ليتعلق خوفهم بالباطن المغيب عنهم، ورجاؤهم بالظاهر البادي لهم، والخوف والرجاء مَدْرَجَتا العبودية؛ ليستكملوا بذلك صفة الإيمان، وبين لهم أنَّ كلاً ميسرٌ لما خُلِقَ له، وأن عمله في العاجل دليل مصيره في الآجل، وتلا قوله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى.. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} وهذه الأمور في حكم الظَّاهر، ومن وراء ذلك علم الله عز وجل فيهم، وهو الحكيم الخبير لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
واطلب نظيره من أمرين: من الرزق المقسوم مع الأمر بالكسب، ومن الأجل المضروب في العمر مع المعالجة بالطب؛ فإنك تجد المغيَّب فيهما علة موجبة، والظاهر البادي سبباً مخيلاً، وقد اصطلح الناس خواصُّهم وعوامُهم على أن الظاهر فيهما لا يُترك بالباطن. هذا معنى كلام الخطابي رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>