وقوله صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن" فيه قولان: أحدهما: أن المن الذي أنزل على بني إسرائيل لم يكن هذا الحلو فقط، بل أشياء كثيرة من الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفوا من غير صنعة ولا علاج ولا حرث، فإن المن مصدر بمعنى المفعول، أي: ممنون به، فكل ما رزقه الله العبد عفوا بغير كسب منه ولا علاج، فهو من محض، وإن كانت سائر نعمه مناً منه على عبده، فخص، منها ما لا كسب له فيه، ولا صنع، باسم المن، فإنه من بلا واسطة العبد، وجعل سبحانه قوتهم بالتيه الكمأة، وهي تقوم مقام الخبز، وجعل أدمهم السلوى، وهو يقوم مقام اللحم، وجعل حلواهم الطل الذي ينزل على الأشجار يقوم لهم مقام الحلوى، فكمل بذلك عيشهم، ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "من المن"، فأشار إلى أنه فرد من أفراده، فالترنجبين "هو الطل" كذلك فرد من أفراد المن، وإن غلب استعمال المن عليه عرفاً. والقول الثاني: أنه شبه الكمأة بالمنً المنزل من السماء، لأنه يجمع من غير تعب ولا كلفة، ولا زرع بزر ولا سقي. انظر "زاد المعاد" ٤/٣٦١ - ٣٦٢