للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي بِكَلِمَةٍ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حتى (١) أناخ راحلته، فوطىء عَلَى يَدِهَا، فَرَكِبْتُهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا (٢) مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ فِي شَأْنِي مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ.

فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُهَا شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيبُنِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنِّي لَا أَرَى مِنْهُ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَاهُ مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ " فَيُرِيبُنِي ذَلِكَ، ولا أشعر حتى خرجت بعد ما نَقَهْتُ (٣) مِنْ مَرَضِي، وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قَبْلَ المناصع (٤) وهي


(١) في الأصل: (حين) ، والمثبت من (التقاسيم) و (المصنف) .
(٢) قوله: (بعدما نزلوا) لم يرد في الأصل، واستدرك من (التقاسيم) ٥/لوحة١٥٣، و (المصنف) . وقوله: (موغرين) أي: نازلين في وقت الوَغْرَةِ، وهي شِدَّةُ الحر، وذلك عندما تكون الشمس في كبد السماء، ومنه أخذ وغرُ الصدر، وهو توقده من الغيظ بالحقد.
(٣) بفتح القاف وكسرها لغتان حكاهما الجوهري في (الصحاح) وغيره، والفتح أشهر، أي: أفاقت من مرضها، وبرئت منه، وهي قريبُ عهد به، لم ترجع إليها تمامُ صحتها.
(٤) في (النهاية) ٥/٦٥: هي المواضع التي يُتَخَلَّى فيها لقضاء الحاجة، واحدها: مَنْصَع، لأنه يُبْرَز إليها ويُظهر، قال الأزهري: أراها مواضع مخصوصة خارجَ المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>