(١) قال الحافظ في (الفتح) ٨/٤٦٨: وهذا الكلام الذي قاله عليٌّ حمله عليه ترجيحُ جانب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى عنده من القلق والغمِّ بسبب القول الذي قيل، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة، فرأى عليٌّ أنَّه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق برائَتها، فيمكن رجعتها، ويُستفاد منه ارتكابُ أخفِّ الضررين لذهاب أشدهما. وقال النووي: رأى عليٌّ أن ذلك هو المصلحة في حق النبي صلى الله عليه وسلم واعتقد ذلك لما رأى من انزعاجه، فبذل جهده في النصيحة لإرادة راحة خاطره صلى الله عليه وسلم، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي حمزة: لم يجزم عليٌّ بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله: (وسل الجارية تصدقك) ، ففوض الأمر في ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: إن أردت تعجيلَ الراحة ففارقها، وإن أردت خلاف ذلك، فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطّلع على برائتها، لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تُخبره إلا بما علمته، وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة، والعلة في اختصاص عليّ وأسامة بالمشاورة أن عليّاً كان عندَه كالولد، لأنه ربّاه من حال صغره، ثم لم يُفارقه، بل وازداد اتصاله بتزويج فاطمة، فلذلك كان مخصوصاً بالمشاورة فيما يتعلق بأهله لمزيد اطلاعه على أحواله أكثر من غيره، وكان أهل مشورته فيما يتعلق بالأمور العامة أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر، وأما أسامة فهو كعليّ في طول الملازمة ومزيد الاختصاص والمحبة، ولذلك كانوا يُطلقون عليه أنه حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخصَّهُ دون أبيه وأمه لكونه كان شاباً كعليّ، وإن كان علي أسَنَّ منه، وذلك أن للشباب من صفاء الذهن ما ليس لغيره، ولأنه أكثر جرأة على الجواب بما يظهر له من المُسن، لأن المسنَّ غالباً==