وقال الخطابي: قال أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير حديثاً أنكر من هذا، وقد يحتمل أن يكون معناه: ولم يرها شيئاً تحرم معه المراجعة، أو لم يرها شيئاً جائزاً في السنة، ماضياً في الاختيار، وإن كان لازماً معه مع الكراهة. ونقل البيهقي في (المعرفة) عن الشافعي أنه ذكر رواية أبي الزبير فقال: نافع أثبت من الزبير، والأثبت من الحديثين أولى ان يأخذ به إذا تخالفا، وقد وافق نافعٌ غيره من أهل الثبت، قال: وبسط الشافعي القول في ذلك، وحمل قوله (ولم يرها شيئاً) ، على أنه لم يعدها شيئاً صواباً غير خطأ، بل يؤمر صاحبه ألا يقيم عليه لأنه أمره بالمراجعة، ولو كان طلقها طاهراً لم يؤمر بذلك، فهو كما يقل للرجل، إذا أخطأ في فعله أو أخطأ في جوابه: لم يصنع شيئاً، أي: لم يصنع شيئاً صواباً. وأخرج البخاري في (صحيحه) (٥٢٥٣) : حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: حُسِبت عليّ بتطليقة. قال الحافظ تعليقاً على قوله: (حدثنا أبو معمر) : كذا في رواية أبي ذر، وهو ظاهر كلام أبي نعيم في (المستخرج) ، وللباقين (وقال أبو معمر) وبه جزم الإسماعيلي. ثم قال الحافظ: وأما قول ابن عمر: (إنها حسبت عليه بتطليقة) فإنه وإن لم يصرح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لزم منه أن ابن عمر خالف ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة بخصوصها، لأنه قال: إنها حسبت عليه بتطليقة، فيكون من حسبها عليه خالف كونه لم يرها شيئاً، وكيف يظن به ذلك مع اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليفعل ما يأمر به، وإن جعل الضمير في (لم يعتد بها) أو (لم يرها) (يعني في حديث أبي الزبير المتقدم) لابن عمر لزم منه التناقض في القصة الواحدة، فيفتقر إلى الترجيح، ولا شك أن الأخذ بما رواه الأكثر والأحفظ أولى من مقابله عند تعذر الجمع عند الجمهور، والله أعلم.